Site icon IMLebanon

هل الحرب على «داعش» ذريعة لتقسيم جديد لدول منطقة الشرق؟

يظهر يوماً بعد يوم، أنّ نوايا الرئيس الأميركي باراك أوباما من خلال القرار الذي اتخذه بالقضاء على «داعش»، واستلزم «تحالفاً دولياً» لتشريع الضربات الجوية على مواقعه من جهة، وللمساهمة في تنفيذها من جهة ثانية، لم تكن نوايا صادقة. وبمعنى أصحّ، يقول مصدر ديبلوماسي إنّ القرار الأميركي بمحاربة التنظيمات المتطرّفة في المنطقة، بعد سنوات على وجودها وتعاظم دورها وتهجيرها مسيحيي الموصل، إنّما يُشكّل ذريعة لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، أي تقسيم دول المنطقة على أسس دينية وعرقية، الأمر الذي يتطلّب تغييراً في البنية الديموغرافية والدينية.

والدليل أنّه حتى اليوم، وبعد تنفيذ التحالف الدولي أكثر من 150 ضربة جوية، نجد أنّ «داعش» لا يزال يتقدّم، ويتمدّد بحسب المصادر، بدلاً من أن يُقتل قادته، ويتقلّص دوره تدريجاً ليصل الى الإنسحاب من المنطقة، والإقلاع عن فكرة إقامة دولته الإسلامية فيها. فالضربات الجوية، بحسب المصدر نفسه، تسبّبت بالأذى للمناطق التي حصلت فيها أكثر من إيقاعها خسائر بشرية في صفوف الداعشيين. ويُشبّه ما يقوم به التحالف الدولي اليوم من مخطط استراتيجي يقضي بالقضاء على المواقع التي يتموّل منها «داعش»، ومخازن الأسلحة التي يملكها، كحرب تموز 2006 التي قام فيها العدو الإسرائيلي بضرب كلّ الجسور القائمة في لبنان، كما مواقع «حزب الله» في الضاحية الجنوبية بغية القضاء عليه وشلّ حركته. وأتت النتيجة بأنّ إسرائيل أوقعت خسائر بشرية جسيمة في صفوف المدنيين والعسكريين ودمّرت الجسور والمباني والمناطق التي قصفتها، لكنها خسرت الحرب على الحزب.

ويقول المصدر نفسه بأنّه حسناً فعلت إسرائيل لأنّها لم تتمكّن من القضاء على «حزب الله»، رغم أنّه كانت هذه هي غايتها وحلمها الكبير، وقد امتلكت نوايا جدية في هذه الحرب، تختلف عن نوايا الإدارة الأميركية اليوم، غير أنّها خسرت الحرب بفضل صمود المقاومة من جهة، ولأنّ ما خطّطت له كان خاطئاً من جهة ثانية. ونحن هنا لا نشبّه المقاومة بـ «داعش»، على ما يضيف، مطلقاً، ولكن الحالة فقط التي يقوم التحالف الدولي على أساسها بحربه على التنظيم المتطرّف. فقطع موارد التمويل، وضرب مخازن الأسلحة، عن «داعش» والتنظيمات الأخرى، لا يبدو جدياً، وحتى وإن كان كذلك، فهو بمطلق الأحوال، لا يقضي على التنظيمات الإرهابية التي نجدها تفرّ من مكان الى آخر، ومن منطقة الى أخرى، وتقوم بتهديد المواطنين الأبرياء، وتقتلهم وتدمّر ممتلكاتهم وكنائسهم وما الى ذلك، وكأنّها محمية دولياً، بدلاً من أن تكون مكشوفة، تخشى من استكمال أعمالها الإجرامية.

وهذا يثير استغراب المصدر الديبلوماسي، لأنّ أسوأ ما قامت به هذه التنظيمات فضلاً عن استهدافها المدنيين والأبرياء، هو إسهامها في تهجير مسيحيي منطقة الشرق الأوسط والتنكيل بهم، كما إساءتها لصورة الإسلام وتقديمه على أنّه دين تطرّف ودمّ، من دون أن نرى «ثورة عالمية كبرى» عليها، إلاّ في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يطرح تساؤلات عدّة حول تقسيم منطقة الشرق الأوسط على أسس جديدة بغطاء أميركي. فتنظيم «داعش» تحوّل بين ليلة وضحاها من مجموعات صغيرة في شمال شرق سوريا لم تكن تُهدّد سوى النظام السوري الى مجموعات مسلّحة ومنظّمة احتلّت الموصل وطردت أهلها منها، ووصلت الى مشارف بغداد، كما الى قوى عسكرية فتحت جبهات عدّة امتدّت من حدود إيران الى عرسال وجرودها في لبنان، ومن الأنبار في غرب العراق الى عين العرب في كوباني على حدود تركيا.. حتى أصبحت شبحاً غامضاً يُرعب أكبر دول العالم من الولايات المتحدة، الى فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، ما يطرح تساؤلات عدّة حول أسباب واهداف تعظيم شأن «داعش».

وبالنظر الى أهداف «داعش» في المنطقة، ومعاداته لتقسيمات اتفاقية سايكس- بيكو التي قُسّمت بموجبها المنطقة العربية في العام 1916 الى دول وأقطار تحت الإنتداب الفرنسي والبريطاني، يبدو واضحاً يضيف المصدر الديبلوماسي ان تقسيماً جديداً يُرسم للمنطقة، يقضي «أولاً بتهجير المسيحيين منها، ثمّ بأن تبقى الشام والعراق ساحة واحدة وقيادة واحدة ولن تفصل بينهما حدود، وبمسح الحدود من الخريطة» (على ما توعّد التنظيم)، الأمر الذي يستدعي حالة من القلق من المخطط الجديد الماضي في أن يُصبح واقعاً رغم الضربات الجوية للتحالف الدولي.

فالتنظيم الإرهابي يواصل، بحسب المعلومات، تمدّده وبطشه غير آبه بالحرب «الدولية» التي تُشنّ عليه، لأنّ ما يُظهره يختلف عمّا ينويه فعلاً، وقد سبق وأن حصل على دعم الدول الكبرى في العالم. فمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي بدأ مع احتلال العراق وتفكيكه في العام 2003، هيّأ التربة الخصبة لنمو التنظيمات المتطرّفة، وعلى رأسها «داعش»، على ما يقول المصدر، ما جعلها تطمح للسيطرة على دول المنطقة. فتلاقت بأهدافها مع مشروع جورج بوش الإبن ووزيرة خارجيته آنذاك كونداليزا رايس وبقية المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري، الذي هدف الى السيطرة بشكل مباشر على النفط في المنطقة، وحماية أمن إسرائيل فيها. وعلى الرغم من أنّ مشروع اوباما يختلف عن مشروع سلفه، إذ تبنّى سياسة التنقيب عن النفط داخل الولايات المتحدة وفي عمق البحار المحيطة بها، غير أنّه أيّد الربيع العربي والثورات الشعبية ووصول الإسلام المعتدل الى السلطة وقيام سلام شامل بين العرب وإسرائيل، لكنّ الأمور لم تجرِ كما أرادها. لهذا فضّل التعامل مع الواقع الجديد من خلال إدارة الأزمات الناجمة عنه، ولهذا نجده اليوم يتخذ قرار الحرب للقضاء على «داعش» من دون سياسة ورؤية واضحة.

ولأنّه رغم محاربة نحو ستين دولة غربية وإقليمية وعربية لـ «داعش» من دون تحقيق الكثير، فإنّ هذا الأمر يشير المصدر يُعزّز المخاوف من وجود نوايا لتقسيم المنطقة على أسس عرقية ودينية خصوصاً وأنّ تهديدات هذا التنظيم تطال الأردن والكويت والمملكة العربية السعودية. فمن تقسيم العراق على أسس طائفية، الى اليمن، والنوايا القائمة بالنسبة لليبيا، فإنّ كلّ هذا يصبّ في مصلحة إسرائيل الساعية الى تقسيم المنطقة وشرذمتها منذ عقود لتحقيق هدفها بيهودية الدولة كواحدة من الدويلات الدينية الوليدة في المنطقة.