لم تكد «تنفرج» على خط الرابية – عين التينة بين «الحليف» و«حليف حليفه»، حتى عادت و«انفجرت» مجدّدًا، ومن دون سابق إنذار، الأمر الذي طرح الكثير من علامات الاستفهام عن الأسباب والخلفيّات والدوافع والحيثيّات، خصوصًا أنّ «الهدنة» التي كان «حزب الله» قد أرساها بين «حليفيه»، رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، نصّت على «الصمت الإعلامي» بشكلٍ أو بآخر.
هكذا، ومن دون مقدّمات، خرج رئيس المجلس النيابي ليصبّ جام غضبه على «الجنرال» في هجومٍ وُصِف بـ «غير المسبوق»، أعلن فيه «الأستاذ» بالفم الملآن أنّه لا يمكن أن يعطي صوته في الانتخابات الرئاسيّة لمن يصنّف مجلس النواب بأنّه «غير شرعي»، مستغلاً الفرصة لـ «يغازل» في المقابل رئيس الحكومة تمام سلام، وصولاً إلى حدّ القول أنّه من أفضل رؤساء الحكومات الذين مرّوا على لبنان، بل أنّهما «واحد»، الأمر الذي اعتُبِر بدوره «رسالة» لـ «الوطني الحر»، الذي لم يتردّد في التصويب المباشر على سلام في الآونة الأخيرة.
وفي وقتٍ كان لافتاً حرص «التيار» على عدم الدخول في لعبة الردود والردود المضادة، واكتفت مصادره باستغراب التصعيد الذي لجأ إليه بري خصوصًا في هذا التوقيت، لم تتردّد مصادر سياسية في الحديث عن «رسائل مضمرة» في كلام بري، الذي يمكن أن يكون في مكانٍ ما «مقدّمة» لـ«تسوية» ستُمرَّر خلال المرحلة المقبلة على ما يبدو، ولو على حساب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح».
برأي هذه المصادر، فعلى الرغم من أنّ العلاقة بين بري وعون لم تكن يومًا في أفضل أحوالها، وأنّ ما يجمع الرجلين هو «مساكنة» أكثر منه «تحالف» بالمعنى الدقيق للكلمة، فإنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ وراء كلام بري التصعيدي ما وراءه، وأنّه لم يكن ليُقدِم عليه لو لم يكن هناك شيءٌ ما «يُطبَخ»، وعلى الأرجح «على نارٍ حامية». وتوضح أنّ من يقرأ تصريح بري يتراءى له للوهلة الأولى أنّ «الأستاذ» ممتعضٌ من توصيف «الجنرال» للمجلس النيابي بأنّه «غير شرعي»، في حين يعلم القاصي والداني أنّ هذا التوصيف ليس ابن البارحة، بل يعود لأشهرٍ طويلة للوراء، ويعتمده عون تحديدًا منذ التمديد الأول للمجلس النيابي، علمًا أنّه لطالما كان واضحًا في التمييز بين هذا التصنيف واعترافه بأنّ المجلس قائمٌ بقوة الأمر الواقع القانونيّة، بدليل إعلان جهوزيته للمشاركة في العمل التشريعي تحت عنوان «تشريع الضرورة»، وإن اختلف مع بري أيضًا في التعريف «النسبي» لهذا المصطلح.
هكذا إذاً، تعتبر المصادر أنّ «امتعاض» بري «المتأخّر» لا يمكن أن يكون لا بريئاً ولا عفويًا، وهو بالتالي يحمل بين طيّاته «رسالة» من الطراز الرفيع أراد إيصالها لعون، واستكملها في التصريح نفسه عند حديثه عن «انتهاء اللبننة» في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، وقوله أنّ «الحلّ أًصبح خارجيًا بامتياز»، وكلّ ذلك يصبّ في خانة التمهيد لـ «التسوية» نفسها، «تسوية» يبدو أنّها تتّخذ صفة «رئاسيّة»، علمًا أنّ المصادر تلاحظ أنّ بري، الذي أعلن بشكلٍ غير مباشر أنّ عون لن يكون مرشحه للرئاسة، لم يفصح عمليًا في المقابل عن مرشحه الحقيقي، أو «مرشح التسوية»، وما إذا كان هذا المرشح «طارئًا» على المشهد، أم أنّ «الأستاذ» كان يخبئ «ورقته» في جيبه بانتظار «اللحظة المناسبة»، والتي يبدو أنّها استبشر بها بعيد الاتفاق النووي الإيراني – الغربي.
في المقابل، فإنّ مصادر سياسية في قوى الثامن من آذار تقلّل من شأن «التوتر» الذي سُجِّل على خط الرابية – عين التينة، وتقول أنّ الإعلام ضخّمه بشكلٍ مبالَغٍ به، مشدّدة على أنّ الأمور لا تزال مضبوطة إلى حدّ كبير، وهو ما تؤكده كلّ الوقائع والمعطيات الحسية والملموسة. وتشرح هذه المصادر أنّ ما قاله بري لا يتجاوز «العتب والزعل»، الذي لا يمكن لأحد نكرانه، لكنّه لم يصل بعد لحدّ «القطيعة»، بدليل أنّ نواباً في تكتل «التغيير والإصلاح» لا يزالون يشاركون في لقاءات الأربعاء في عين التينة، ولا شيء يستدعي أيّ تغييرٍ على هذا الصعيد. وتسخر هذه المصادر من ذهاب البعض في قوى الرابع عشر من آذار للقول أنّ بري يردّد في العلن ما يقوله «حزب الله» في السرّ، متحدّثة عن «تناقضٍ فاضح» يقع فيه هؤلاء عندما يتبنّون هذا الخطاب، ثمّ يقولون أنّ كلّ الحراك العوني يأتي بـ«تحريضٍ مباشرٍ» من «حزب الله»، بل إنّ الأخير هو الذي يعتمد عون كـ«غطاءٍ له» في إطار مشروعه الخاص بتعميم ثقافة الفراغ.
وفيما تشبّه مصادر «8 آذار» حديث بري الذي أثار استياء «التيار» بحديث عون قبل فترة عن الفدرالية الذي أثار استياء الكثير من حلفائه قبل أن يوضح حيثيّاته، تشدّد على أنّ حركة الاتصالات لم تهدأ خلال الساعات الماضية، وقد دخل «حزب الله» بقوة على خطها لعلّه يستطيع ترطيب الأجواء بين حليفيه، علمًا أنّ هناك مساعي حثيثة لتوحيد موقف هذه القوى مجتمعة من الملفات الداهمة، خصوصًا في داخل الحكومة. وتشير إلى أنّ «الرهان» في ذلك يبقى على الموقف المشترك بين كلّ مكوّنات قوى الثامن من آذار على أنّ الحكومة خط أحمر، وعلى أنّ إسقاطها غير جائز في هذه المرحلة بل إنّه لن يصبّ في مصلحة أحد، وتلفت إلى أنّ «المفاوضات» تنطلق من هذه النقطة للوصول إلى قواسم مشتركة، كاشفة في هذا السياق عن مجموعة من الأفكار يتم التداول بها قد تساهم بحل الأزمة، ومنها إعادة فتح المجلس النيابي وإطلاق يده التشريعيّة، في مقابل «تسوية» في ملف التعيينات الأمنية، يوافق عليها «الجنرال» أولاً.
ليست المرّة الأولى التي يخرج فيها التباين بين بري وعون من الغرف المغلقة إذاً، ولن تكون الأخيرة على الأرجح، فسياسة «الترقيع» التي يعتمدها «حزب الله» بين حليفيه لم تعد قادرة على إخفاء واقع أنّ القضية لم تعد مجرّد قصة «كيمياء مفقودة»، بل تجاوزتها وبأشواط!