في خطوة أعادت إلى الأذهان هجمات باريس التي وقعت في تشرين الثاني 2015، ضرب تنظيمُ «داعش» أمس بقوّة في عاصمة الإتحاد الأوروبي بلجيكا مستهدِفاً أهمّ المنشآت العامّة في البلاد، حيث دوّى انفجاران في مطار بروكسل وانفجارٌ آخر في محطة القطار، ما أدّى إلى مقتل 34 شخصاً وجرح أكثر من 200 آخرين. هذان الهجومان أدّيا أيضاً إلى هلعٍ كبير بين المواطنين في بلجيكا وعدد كبير من البلدان الأوروبية التي أعلنت الاستنفار العامّ وتعزيز إجراءاتها الأمنية، فضلاً عن رفع حال الطوارئ القصوى.
وفي السياق، أكّد المُحلّل العسكري العميد المتقاعد خليل حلو لـ«الجمهورية»، «أنّنا أمام واقعٍ اليوم، فعدا عن اعتقال صلاح عبد السلام المسؤول عن هجمات باريس وإمكان أن تكون هذه العمليات إنتقاماً له، ما يمكن أن يكون عجّل في تنفيذ هذه العمليات هو البحث عن شخص ثالث كان برفقة صلاح عبد السلام»، مضيفاً أنّ «هذا الشخص تمّ التعرّف اليه من الشرطة البلجيكية والفرنسية يُدعى سفيان كيال ويبحثون عنه».
وأوضح أنّ «كيال ومجموعته عجّلا في تنفيذ العمليات خشية كشفهما من صلاح عبد السلام أو الشرطة»، مُشدّداً على أنّ «عملية من هذا النوع تحتاج إلى تحضير لأشهر ولا يمكن تنفيذها بين ليلة وضحاها، فالإرهابيون راقبوا الثغرات الأمنية في مطار بروكسل وكيف أدخلوا الإنتحاريين والمُتفجّرات، كُلّ هذا يؤشر إلى عملية مراقبة دقيقة جداً».
وكشف حلو أنّ «الانفجار الانتحاري في المطار حصل قرب مكتب الإستعلامات عند الخطوط الجوّية الأميركية ما يدلّ على أنّ هناك رسالة موجّهة إلى الولايات المتحدة».
وأشار إلى أنّ «الدولة الإسلامية» ليست تنظيماً بل دولة خسرت الكثير السنة الماضية في العراق وسوريا، مع تنفيذ أكثر من 11 ألف غارة أميركية وتدمير آلاف الأهداف ومقتل نحو 5 آلاف إرهابي وخسارة 10 في المئة من أراضيه في سوريا و40 في المئة في العراق»، مؤكداً أنّ «هذه الخسائر لا تعني أنّ التنظيم انتهى بل لا يزال يُسيطر على 70 إلى 80 ألف كلم مُربّع من الأراضي».
وتابع أنّ «غالبية الهجمات التي تعرّض لها «داعش» هي من التحالف الدولي الذي تُشارك فيه دولٌ أوروبية، وليس من الروس الذين شاركوا في طريقة بسيطة»، مضيفاً أنّ «داعش» كان يتموّن بشكل رئيسي عبر الحدود التركية التي أُغلقت، ما أدّى إلى تضييق الخناق عليه وأصبح عاجزاً عن تموين نفسه من شبكات التهريب التي كان يديرها في تركيا».
وشدّد العميد المتقاعد على أنّ «من المنتظر في المستقبل كما حصل سابقاً أنّه في كُلّ مرة يتعرّض لها «داعش» لخسائر في سوريا والعراق وحتّى ليبيا، سيرد عبر العمليات الإرهابية التي ستزداد خارج المسرح السوري – العراقي لأنّ الإمكانات المطلوبة ليست كبيرة»، مشيراً إلى أنّ «المطلوب أشخاصٌ مُتدرّبون والإمكانات التي توضع في تصرّفهم ليست كبيرة، فلذلك هذا العمل غير مستغرب في الأوقات الحالية ومن المرجّح تكراره في أكثر من مكان حول العالم».
في المقابل، لفت المُحلّل العسكري العميد المتقاعد أمين حطيط لـ«الجمهورية»، إلى أنّ «منذ أن بدأ ما نسمّيه انحسار الحريق العربي وامتداد كرة النار خارج الشرق الأوسط، كان منتظراً أن تتّجه هذه الكرة إلى أوروبا»، مضيفاً أنّ «الإرهاب عندما يفشل في تحقيق أهدافه في مكان، يتّجه إلى مكان آخر».
وأردف أنّ «هناك حدثين مهمّين حدثا في بلجيكا في الأيام العشرة الماضية، أحدهما توقيف السُلطات البلجيكية صلاح عبد السلام»، موضحاً: «كان متوقّعاً أن يوجّه الإرهاب ضربة في أوروبا عموماً وأكثر دقة في بلجيكا خصوصاً كونها ومكان اعتقال عبد السلام».
واعتبر أنّ «المنظومة الأمنية البلجيكية ليست بالشدة التي هي عليها منظومات أمنية أخرى كألمانيا وسِواها، لذلك ضعف البنية الأمنية يقود إلى توقع مثل هذه الضربة»، لافتاً إلى أنّ «حتّى رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال لمّح إلى هذه الفرضية عندما قال: ما كنا نخشاه حصل».
أمّا في المستقبل، فنرى أنّ الموضوع الإرهابي انتقل إلى أوروبا جدياً بغضّ النظر عن التوقيت بين هجمات فرنسا وبروكسل لأنّ الهيبة الأمنية الأوروبية سقطت وسقط حاجزُ الخوف لدى الإرهابيين، وفق ما يشير حطيط.
وشدّد على أنّ «الإرهاب أصبح بإمكانه ضرب أيّ مكان، فطالما أنّ هناك دولاً ترعاه فهو باقٍ، وستبقى هذه الهجمات على رغم كُلّ العمليات الميدانية الردعية».