باسيل الرجل الذي لن ينام
يحتفل الرئيس ميشال عون بالذكرى السنوية الثالثة لتوليه رئاسة الجمهورية في ظروف أقل ما يقال فيها أنها غير مناسبة للإحتفال بل للمراجعة والمحاسبة. في 31 تشرين الأول 2016 كان يدخل بقوة إلى القصر الجمهوري في بعبدا ليعيد إليه الأضواء بعدما انطفأت منذ غادره الرئيس ميشال سليمان في 24 ايار 2014. كانت قوة الرئيس الجديد مستمدة من شبه إجماع عليه ومن زخم تفاهم معراب مع “القوات اللبنانية” الذي فتح له طريق الرئاسة وأعطاها اندفاعة قوية بحيث صدّق الناس أن معادلة الرئيس القوي دخلت معه إلى القصر. ولكن بعد ثلاثة أعوام بدا وكأن الأضواء خفتت في ذلك القصر وخفّت معها اندفاعة الرئيس الذي تكاد ولايته تنتهي عملياً قبل أن تنتهي زمنياً. صحيح أن لا جدال حول استكمال الرئيس عون مدة ولايته ولكن، ثمة اتفاق على أن هذه الولاية اعتراها الكثير من الضعف والوهن.
منذ عاد الرئيس عون من باريس في 7 أيار 2005 تصرف على أنه الرئيس المقبل. قبله الرئيس أميل لحود انتهت ولايته عملياً في 14 آذار 2005 ولكنه استمر في الحكم حتى استكمل الولاية الممددة في 23 تشرين الثاني 2007. في 25 ايار انتخب الرئيس ميشال سليمان خلفاً له. وقتها اعتبر عون أن الرئاسة سرقت منه وأنه كان الأحق فيها ولكنه نزل عند الإتفاق الذي حصل في الدوحة نتيجة العمليات العسكرية التي نفذها “حزب الله” في 7 ايار 2008 في بيروت والجبل.
منذ ذهب عون في 6 شباط 2006 إلى تفاهم مار مخايل مع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ربط تقريباً مصيره بمصير “الحزب”. اعتبر أنه ساهم في حماية “الحزب” خلال حرب تموز وأن “الحزب” سيكون وفياً له في استحقاق الرئاسة بعد لحود ولكن الرهان لم يكن على قدر التمنيات. ساعد عون “الحزب” في الحملة ضد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في المعركة من أجل المحكمة الدولية والتحقيق الدولي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وذهب معه إلى أبعد الحدود. قطع معه الطرقات في 23 كانون الثاني 2007 في كل المناطق وشارك معه في حصار السراي ولم يعترض على عملية 7 أيار.الإخفاقات… والإصرار
منذ العام 2008 أعطي عون البديل عن الرئاسة في مجلس الوزراء. منذ ذلك التاريخ بدأ يحيل الدور الأول في “التيار الوطني الحر” إلى الوزير جبران باسيل من خلال التمسك به وزيراً في الحكومات المتعاقبة على رغم إخفاقه مرتين في الإنتخابات النيابية في دائرة البترون ومن خلال تحديد الحقائب التي سيتولاها وزراء التيار.
في 27 آب 2015 اختار عون التخلي عن رئاسة “التيار الوطني الحر”. كان لا يزال مقره في الرابية عندما فرض باسيل رئيساً بالتزكية على رغم معارضة عدد من قيادات هذا التيار لهذا الإختيار. بعض المعترضين اختار الخروج من الصفوف مفضلاً متابعة مسيرته السياسية ضمن أطر أخرى بينما اختار آخرون الإنصياع لرغبة الرئيس المؤسس الذي كان يمكنه أن يمون على الجميع بانتظار أن يأتي وقت يكون التغيير فيه ممكناً. ولكن هذا الوقت لم يأت.
باسيل أو لا أحد
على العكس وبدل أن يسعى باسيل إلى نوع من العودة إلى القاعدة داخل التيار عمل على أن يكون الرئيس الوحيد الذي لا ينافسه أحد فقرّب منه الكثيرين من الطامحين إلى النيابة والوزارة والمراكز وألغى دور من يمكن أن يكون منافساً له. هذه الظاهرة التي كانت ظاهرة لديه تفاقمت بعد انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية. تحرك باسيل في كل الإتجاهات من أجل أن يكرس نفسه الرئيس الخلف لجمهورية السلف وأطاح بكل ما اعتبر أنه يمكن أن يقف في طريقه. وقد ساهم في تقوية هذه النزعة لديه أن الرئيس عون زاد رهانه عليه وأوكل إليه التعاطي في معظم الملفات وأخذ القرارات التي يرى أنها مناسبة له ولذلك صار هو واجهة العهد واعتبر أنه يكرس نفسه ولياً لهذا العهد ووريثاً له. ومن هنا جاءت الصفة التي أطلقها البعض عليه وهي أنه الرجل الذي لا ينام.
الحضور المفتعَل
ما كان باسيل ينام ولكنه أيضاً حاول ألا يسمح لغيره بأن ينام. طغى حضوره المفتعل على حضور رئيس الجمهورية بحيث أن صورة العهد اختفت وراء صورته. تصرف وكأن هذا العهد ليس إلا جسراً لعهده هو. المكاسب التي اعتقد أنه يحققها وتقرّبه من هدفه لم يتوقع أن تنقلب عليه لتحوله هدفاً للحراك الشعبي في مرحلة ما بعد ثورة 17 تشرين.
عندما اجتمع مع الأمين العام لـ”حزب الله” سبع ساعات، على ما قيل وتسرّب، اعتبر أنه بات يتمتع بقوة لا يمكن أن يقف أحد في وجهها. لم يكن قد خرج بعد من تداعيات حادث قبرشمون حتى هدد في 13 تشرين في الحدت بقلب الطاولة وبجرف المعارضين. عندما وقف في المكان الذي قال أنه سيبني فيه بيتاً “للتيار الوطني الحر” في ضبيه في 7 آب الماضي قال إن لا شيء سيوقفنا عن تحقيق أحلامنا ولكن يبدو أن حساباته لم تكن دقيقة.
التحوّل إلى “هدف” الثورة
بين ليلة وضحاها تحول باسيل إلى هدف لثورة 17 تشرين. التصويب عليه انطلق من خلال تحميله مسؤولية سياسة العهد وفشله. السهام التي استهدفته أصابت حكماً الرئيس عون والعهد. بعد استقالة الرئيس سعد الحريري في 29 تشرين الأول الحالي بدت الخسارة ظاهرة على جوانب التيار الذي يلتف حول باسيل. ثمة حالة ضياع. هناك شعور بالهزيمة وبأن العهد ترنح بسبب سياسات باسيل… في التيار ثمة من يريد أن يكون هناك كبش فداء وأن يتحمل باسيل بالتالي مسؤولية أعماله.
وثمة من لا يزال يعتبر أن مصير التيار مرتبط بمصير باسيل. المطالبة بالمحاسبة لا تقتصر على التيار السياسي بل أصبحت داخل العائلة. هناك مسؤولية ملقاة على عاتق الرئيس عون في هذه المسألة. هل هو قادر على أن يستعيد من باسيل الأوراق التي أوكلها إليه؟ هل يمكن أن ينقذ ما تبقى من التيار من خلال التضحية بباسيل على الأقل لتمرير هذه المرحلة بأقل قدر من الخسائر؟ عندما تتهم نائبة باسيل في رئاسة التيار، ولم يمض أكثر من شهرين على قرار تعيينه لها، بنتي الرئيس بأنهما لا تمثلان التيار، وعندما تطالب بنتا الرئيس وصهره النائب شامل روكز بأن يتم الأخذ بمطالب الشارع وبأن تكون هناك حكومة جديدة مستقلة هذا الأمر يضع مسؤولية مضاعفة على الرئيس. مطالبة محاسبة باسيل لم تعد تأتي من الذين يعتبرهم منافسين له في السباق إلى الرئاسة. هل يكبر هذا التيار داخل التيار وداخل العائلة؟ هل يمكن أن يحصل انقلاب داخلي على باسيل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه وخصوصاً ما تبقى من صورة للعهد وللرئيس؟ منذ 17 تشرين توارى باسيل تقريباً عن الأنظار وتهرب من مواجهة شارعه وشارع التظاهرات. هذا الشعور بالخسارة يحوله من الرجل الذي لا ينام إلى الرجل الذي لن ينام. هل يتمسك الرئيس عون به ويكرر مقولة “عمرها ما تتشكل حكومة من أجل عيون جبران”؟.
عندما طلب باسيل من الوزراء التابعين له الذين اختارهم ليكونوا في الحكومة أن يوقعوا مسبقاً على كتب استقالاتهم، لم يسألوه عما إذا كان هو نفسه وقع مثل هذا الكتاب ولم يتوقع هو نفسه أن يكون أحد أسباب استقالة الحكومة ورئيسها.