قبل أيام على الانتخابات الرئاسية الأميركية يوم «الثلثاء الكبير»، أجرَت مراجع ديبلوماسية قراءة لموقع لبنان وحصّته في حسابات المرشحين فلم تجد سوى فروق محدودة يمكن التوقف عندها في حال فوز هيلاري كلينتون «الديموقراطية» أو دونالد ترامب «الجمهوري». وإن كانت أكثرية اللبنانيين والعرب مع ترامب فلم يجدوا لديهما ملفاً مستقلاً عن أزمة الشرق الأوسط إسمه لبنان. كيف ولماذا؟
ساد اعتقاد لفترة طويلة أن ليس هناك ايّ فارق بالنسبة الى حصة لبنان وموقعه في الإدارة الأميركية سواء كان رئيساً ديموقراطياً او جمهورياً في البيت الأبيض. فالمواقف الأميركية الإستراتيجية التي تحكّمت بالسياسة الخارجية ترسمها إدارة براغماتية ولا يحيد عنها ساكن البيت البيض أيّاً كانت هويته الحزبية.
فهي إدارة تحدّد سلفاً الخطوط العريضة على كل المسارات بالاستناد الى دراسات وأبحاث يعدّها خبراء من مختلف الإختصاصات يعملون في مراكز متخصصة ترفع تقاريرها الى هذه الإدارة تِباعاً، وتنتهي الى خطط متوسطة وبعيدة الأمد تتجاوز أحياناً عهود الرؤساء، ولذلك لم يسجّل لفترات طويلة ايّ متغيرات أساسية في التعاطي الاميركي مع قضايانا.
ولذلك تقول المراجع الديبلوماسية المتخصصة في تقويمها للتوجهات الأميركية في العقود الماضية انّ المتغيرات الكبرى في السياسة الخارجية الأميركية بدأت مع الحروب الكبرى التي شاركت فيها الولايات المتحدة مباشرة إبّان وجود رؤساء من الديموقراطيين والجمهوريين على حد سواء.
بقي ذلك منطقياً لعقود من الزمن رافقت بدايات النزاع العربي ـ الإسرائيلي منذ نشأة الدولة العبرية ومسلسل الحروب الأولى التي خاضَتها ضد العرب بعد استيلائها على الضفة الغربية والمناطق المعروفة بـ»أراضي 48» وصولاً الى احتلال الجولان السوري ومناطق من جنوب لبنان بدءاً من العام 1967 ولستة حروب متتالية امتدّت لسنوات الى أن كانت آخرها حرب تموز 2006.
وتستذكر المراجع نفسها حروباً كبرى أخرى خاضَتها واشنطن على أراض عربية وإسلامية أوّلها واكبرها «حرب تحرير الكويت» التي قادها الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب بالتعاون بين الجيوش الأميركية وأخرى من 34 دولة حليفة ما بين 17 كانون الثاني و17 شباط من العام 1991.
وتطورت بعد حرب افغانستان التي قادها الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون عام 1998 وصولاً الى أحداث 11 ايلول العام 2001 التي وقعت في بداية ولاية خلفه الجمهوري جورج بوش الإبن وفور تسلّمه السلطة والتي قادت الى الحرب العراقية وانتهت الى تسليم العراق لنظام موال لإيران والإنسحاب منه إبّان ولاية الرئيس الديموقراطي باراك اوباما قبل ان تقوم سلطة قوية تتكفّل بأمن الدولة وتوفّر الإستقرار فيها.
وعليه، أضافت المراجع الديبلوماسية انّ التغيير الإستراتيجي الأبرز في سياسة اميركا الخارجية بدأ مع الرئيس الديموقراطي الحالي باراك اوباما، بدءاً من الأزمة السورية التي اندلعت عام 2011 فبقي متفرّجاً على كل ما يجري على ساحتها يديرها من الموقع الخلفي من دون ايّ تدخّل مباشر بعدما تعهّد لمواطنيه انّ حربَي العراق وافغانستان كانتا وستكونان آخر الحروب التي تخوضها بلاده مباشرة، وانه لن يُقتل بعدها جندي أميركي على اراض بعيدة عن دولته.
لكنّه اضطرّ الى التدخل في الأزمتين العراقية والسورية من الجَو البعيد ونَشر وحدات اميركية محدودة مهمتها تدريب الموالين له والأكراد في إطار الحلف الدولي على الإرهاب المُعلن من جدة في 11 أيلول 2014.
ولذلك لا ترى المراجع أهمية في البناء على متغيّرات جديدة في واشنطن، فالحزبان المتنافسان شاركا ودعما إسرائيل في حروبها في المنطقة ولبنان وان ليس من المجدي انتظار ايّ متغيرات كبيرة نتيجة الإنتخابات الرئاسية المقبلة سواء بقيَ الديموقراطيون في البيت الأبيض مع كلينتون او عاد اليه الجمهوريون بترامب ففي الحالتين لم يعد هناك لدى إدارتهم ملفاً مستقلاً إسمه لبنان وانّ الوضع فيه باتَ رهناً بما ستنتهي اليه الحرب السورية وما يمكن ان يَستجِدّ في النزاع العربي ـ الإسرائيلي.
وعلى رغم هذه القراءة الإستراتيجية التي يدلّ إليها تاريخ التعاطي الأميركي مع قضايا لبنان الموضوع على فالِق زلزالي في المنطقة، يقرأ لبنانيون في واشنطن بعض المؤشرات الخفيفة التي تدلّ الى انّ بقاء الديموقراطيين في الإدارة الاميركية قد لا يغيّر شيئاً في المسار الذي سلكه اوباما مع لبنان والمنطقة، وانّ الأمل وارد ولو محدوداً بمتغيّرات قد لا تكون كبيرة مع عودة الجمهوريين الى البيت البيض.
وتنتهي تقارير لبنانية وردت من واشنطن الى القول انّ ترامب الذي شَهر الحرب على المقيمين على أراضي بلاده بصورة غير شرعية والنازحين واللاجئين من مناطق التوتر في العالم ستكون له مقاربة أخرى مختلفة للمنطقة قد يستفيد منها لبنان.
ولذلك يظهر انّ أكثرية الأميركيين من أصل لبناني ومعهم عرب منخرطون بكثافة في حملة ترامب في مواجهة كلينتون وبواقعية مفرطة لا ينتظرون حصاداً وفيراً ومضموناً على رغم الوعود التي قطعت لهم. ولذلك سيبقى ما يَجنيه لبنان في علم الغيب الى حين، وما عليه سوى الانتظار فالأيام الفاصلة عن هذه الانتخابات باتت تُحصى بالساعات؟