لم يطغَ أيُّ حدث سياسي في الأيام الأخيرة على مشهدِ اشتداد المعركة الناجمة عن حادثة قبرشمون والتصعيد «الإشتراكي» في وجه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، فضلاً عن تخطّي تعطيل الحكومة الخطوط الحُمر وتخطّي تداعيات الحادثة الحدودَ المحلية الجغرافية والزمنية بدخول الولايات المتحدة الأميركية على أرض المعركة. وعلى رغم هذه المشهدية، نقل باسيل المعركة إلى مواجهة جديدة مع «القوات اللبنانية»، فخصّص «صواريخَه» الأقوى خلال إفتتاح مقرّ التيار في 7 آب لقصف جبهة «القوات» راسماً حدوداً جديدة للعلاقة بينهما. ومن موقع يعتبر أنّه يخوّله التحكُم بهذه العلاقة، أعطى «القوات» فرصةً أخيرة… وإلّا! فما هو سبب الهجوم على «الخيّ» في هذه اللحظة السياسية؟
يعتبر باسيل أنّه تحمّل كثيراً من الظلم جرّاء إفتراء وأكاذيب «أخيه»، وهذا ما دفعه إلى عدم السكوت بعد الآن، وتوجّه إلى «القوات» مباشرة وأعطاها فرصة أخيرة للعودة إلى روحية الاتفاق وتطبيقه «إذا أوقفوا الكذب والافتراء علينا».
سببُ هجوم باسيل، بالنسبة إلى «القوات»، مردّه «رغبته في حرف الأنظار عن الأزمة التي يعيشها نتيجة حادثة البساتين، حيث لم يتمكّن من تحقيق أيّ انتصار معنوي كان يسعى إليه عن طريق المجلس العدلي، فلم يستطِع انتزاعَه لا في الواقع من خلال الضغط الذي مورس على القضاة، ولا في مجلس الوزراء لأنّ رئيس الحكومة سعد الحريري تمنّع عن دعوة الحكومة إلى الإنعقاد».
وتعتبر «القوات» أنّ باسيل ارتدّ عليها لأنّه «يعيش على الهجومات» ولأنه يعتبر أنّ «هذا هو المكان الأسهل الذي يُمكن مهاجمته من دون أن يخلّف أيّ أضرار وطنية، خصوصاً أمام أزمته المتراكمة نتيجة دخوله في مواجهة مع الحالة الدرزية، ومواجهته المستمرة مع الحالة السنّية». وترى «القوات» أنّ باسيل «مأزومٌ سنّياً ودرزياً ولا تعاطفَ شعبياً معه، أمّا «حزب الله» فبالكاد يُشكّل قوة مساندة له لا قوة مواجهة إلى جانبه».
ومن أسباب أزمة باسيل بالنسبة إلى «القوات» أنّه «يفتقد إلى الحلفاء فلم يترك له حليفاً في البلد. كذلك، يريد أن يخدّرَ الناس بهجمات من هذا النوع، لأنّ التخدير مطلوب لكي ينسى الناس الوضع الإقتصادي – الإجتماعي الكارثي الذي لم يسبق أن وصل إليه لبنان في أيّ عهد من العهود».
أمّا بالنسبة إلى «اتفاق معراب» الذي «لم يتّفق» عليه طرفاه، ولو مرّة، فاستعاده باسيل، موضحاً أنّه «اتفاق سياسي طالب به سمير جعجع كبدل سياسي مقابل تأييد العماد ميشال عون للرئاسة… وجوهر الاتفاق أن نكون معاً بدعم الرئيس وأن نتفاهم على التعيينات والانتخابات، وما حصل أنه أراد أن يأخذ التعيينات وحصته في السلطة ويعارض في الحكومة والانتخابات واكتشف أنّ ربحه بالمعارضة والشعبية هو باتهامنا بالفساد…».
أمّا رؤية «القوات» لأسباب تعثُّر هذا الاتفاق، فهي «أنّه قام على نقطة أساسية مركزية وهي تأليف لجنة من الطرفين، مباشرة بعد وصول العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة، لمتابعة جدول أعمال مجلس الوزراء، ولو تشكّلت هذه اللجنة لما كنّا وصلنا إلى الواقع الحالي، لأنّ أيَّ موضوع خلافي كان ليُبحث في هذه اللجنة حيث يتمّ ترسيم حدود الخلاف والإتفاق». وتؤكّد مصادر «القوات» لـ»الجمهورية» أنّها «أصرّت على تشكيل هذه اللجنة، التي لم تُشكّل، لأنّ باسيل اعتبر أنّ «القوات» أدّت وظيفتها بإيصال العماد عون إلى الرئاسة ويجب العودة إلى مواجهتها وتحجيمها، وهذا ما لمسناه في محطات عدة، آخرها في الحكومة عند محاولة إحراج القوات لإخراجها».
وتعتبر «القوات» أنّ تعامل رئيس التيار معها «منطلق من أنّه لا يريد شريكاً مسيحياً ويحاول في الانتخابات أن يكون الصوت المسيحي الأوحد، وأن يخرج بأحادية مسيحية بغية تتويج خلافته للعماد عون، ولذلك انقلب على الاتفاق».
هجومُ باسيل على «القوات» طاول رئيسَها مباشرةً، وكشف أنّه نبّه جعجع «مراراً مباشرة وعبر ممثلينا بأنّ هذا السلوك سيؤدي إلى إيقاف تنفيذ الاتفاق بيننا». تنبيهُ باسيل «لا يمرّ» عند «القوات» التي تعتبر أنّه «ليس في معرض النصيحة، وأنها كانت الأحرص على هذا الاتفاق». وتذكّر المصادر القواتية أنّ «القوات كانت تتحدّث منذ اللحظة الأولى عن مكامن نجاح العهد، وأنّها كانت إلى جانبه، في قانون الانتخاب وفي الشراكة ووصوله إلى الرئاسة، وفي موضوع اللاجئين… في المقابل كانت تنتقد عملَ بعض وزراء العهد وتنوّه بآخرين… فيما أنّ باسيل يهاجم «القوات» طيلة الوقت وبالمطلق بغية ضرب مصداقيتها أمام الشارع، لأنه يخشى تنامي شعبيتها ودورها».
لم تسلم «القوات» أيضاً من إشارة باسيل إلى أنها لم تناصره لتأمين «الحقوق المسيحية». ويصرّ باسيل على تفسير المادة 95 في مجلس النواب تبعاً لرسالة عون إلى المجلس، «لنعرف مَن هو يهوذا الإسخريوطي». أمّا «القوات» فتعتبر أنّ «موقفها واضح فلقد قاتلت من أجل الوصول إلى توازن رئاسي من خلال انتخاب العماد عون رئيساً لكي يكون الرئيس المسيحي ممثل لبيئته على غرار رئيس مجلس النواب الشيعي ورئيس الحكومة السنّي. كذلك قاتلت من أجل التوازن في الحكومة ومن أجل قانون انتخاب، الذي سُمّي قانون عدوان، تيمّناً بالنائب جورج عدوان. وسعت جاهدةً لتحقيق التوازن، ولكن انطلاقاً من الدستور وبالطرق المطلوبة، والمادة 95 تؤمّن المناصفة في مجلس النواب والحكومة ووظائف الفئة الأولى».
وتشدّد «القوات» على أنّ «المطلوب تحقيق المناصفة على كلّ الصعد وفي كلّ المجالات، ولكن وفق ما يقوله الدستور، لا أن نذهب إلى تفسيرات دستورية غير حقيقية الهدف منها إثارة الإستفزاز والتوترات الطائفية». وترفض أن «يزايد عليها باسيل أو غيره في موضوع الحفاظ على التوازن، لأنها هي مَن قاتلت وتقاتل من أجل التوازن الرئاسي والنيابي والحكومي، لكن ليست كلُّ المعارك تُخاض بالوتيرة نفسِها. وخوضُ معركة تأمين التوازن الوطني والميثاقي في وظائف حرّاس الأحراج لا يتمّ بالأسلوب والأدوات نفسها التي تُخاض فيها معركة قانون الانتخاب».
أمّا «الفرصة الأخيرة» التي منحها باسيل، فترفضها «القوات»، وتردّها إلى «صاحبها الذي انقلب على الإتفاق بالمضمون والأهداف… فالقوات دعمت الرئيس وما زالت داعمة له في القضايا التي يجب أن تدعمه فيها… لكن لا يُمكنها أن تدعم رئيس الجمهورية إذا تبنّى مسألة البواخر التي كان يريد السير فيها جبران باسيل، والتي أسقطناها. وإذا كان يعتقد باسيل أنّ القوات ستبصم على كلّ ما يريده فهو مخطئ».
لا يبدو أنّ هناك أملاً في المدى المنظور بسلام شامل بين «القوات» و»التيار»، فباسيل يرى أنّ «أخانا منشغل بالتنافس الداخلي في ما بيننا ولا تهمه قضايا حقوقنا ووجودنا وكياننا»، أمّا «القوات» فتعتبر أنّ باسيل «يجرّ لبنان إلى الهاوية ويأخذه من أزمة إلى أزمة. والمشكلة اليوم ليست «اتفاق معراب»، بل «اتفاق الطائف» الذي يهزّ باسيل كلّ أركانه من خلال الخلافات المتنقلة التي يجرّ البلد إليها، وهو ينفّذ أجندة خارجية من أجل إسقاط اتفاق الطائف وأخذ البلد إلى اتفاق جديد».