ما إن أقفلت صناديق اقتراع المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية، حتى عاد المعارضون لتمديد ولاية مجلس النواب إلى تجديد مطالبتهم بإجراء الانتخابات النيابية، متسلحين هذه المرة بـ «النموذج البلدي» الذي يمكن القياس عليه، خصوصاً أن قانون التمديد استند في أسبابه الموجبة إلى الأوضاع الأمنية التي كانت سائدة والتوقعات التي كانت شائعة في هذا المجال.
وبرغم أن القياس على الانتخابات البلدية والاختيارية يعتمد على الحكم على الكل من خلال الجزء، باعتبار أن الانتخابات البلدية ليست إلا مرحلة أولى من مراحل عديدة، فإن الإشكالية حول اختصار قانون تمديد ولاية المجلس النيابي ستبقى قائمة، وفق ما هو متوقع، حتى بعد استكمال الانتخاب البلدي في أواخر الشهر الحالي، مما يسمح عندها بالقياس أو المعاملة بالمثل بين الاستحقاقين البلدي والنيابي بشكل كامل. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ وهل من دور تقريري للمجلس الدستوري في هذا الشأن؟
يرى نائب، من المداومين على المشاركة في لقاء الأربعاء مع رئيس المجلس نبيه بري، أن الرئيس بدأ يهيئ المجلس ليكون جاهزاً لكل الاحتمالات التي ستظهر في نهاية الشهر الحالي، وما إصراره على ترؤس اجتماع اللجان النيابية المحال إليها مشاريع واقتراحات قانون الانتخاب إلا مؤشر على ذلك، برغم أن توصل أو عدم توصل اللجان إلى صيغة مقبولة لقانون الانتخاب لا يؤثر من قريب أو بعيد على إجراء أو عدم إجراء انتخابات نيابية، وهذا ما أكده المجلس الدستوري في قراره 7/2014 الذي جاء فيه أنه «لا يجوز ربط إجراء الانتخابات النيابية بالتوافق على قانون انتخاب جديد». فالرئيس بري بهذا المعنى يجهد للحؤول دون إجراء انتخابات نيابية، مهما كان مصير قانون التمديد، إلا على أساس قانون انتخابات مغاير للقانون النافذ الإجراء ينطبع، ولو بالحد الأدنى، على الأقل من العصرنة والديموقراطية.
وبصرف النظر عن تلك المعطيات، فإن الإشكالية الأساسية التي ستواجه «مقارعة» قانونية يمكن أن تنشأ بين المجلسين النيابي والدستوري، فقرار الدستوري حول مراجعة الطعن بقانون التمديد أكد خمس مسلمات قبل أن يصدر قراره، وجاء في البند الرابع منها: «إجراء الانتخابات النيابية فور انتهاء الظروف الاستثنائية وعدم انتظار انتهاء الولاية الممددة». فإذا اعتُبرت الظروف الاستثنائية التي رد الدستوري الطعن على أساسها قد انتهت، يكون قد أبطل عملياً قانون التمديد من تاريخ ذلك الاعتبار. ولكن كيف يمكن تحريك ما جاء في قرار الدستوري؟
من البديهيات القول إن للمجلس النيابي حق تعديل أي قانون وتقصير مدة نفاذه، ولكن إذا لم يقْدم المجلس لأي سبب كان على ذلك كتعطيل النصاب باستمرار، كما هو حاصل اليوم، فهل يمكن للدستوري تحريك قراره المستند إلى انتهاء الظروف الاستثنائية التي كان قد استند إليها لرفض قبول الطعن بالتمديد، ويعلن انتهاء التمديد بعد إجراء المراحل المتبقية من الانتخابات البلدية والاختيارية؟
إن مثل هذا الاحتمال، وإن كان مستساغاً في القانون، إلا أنه شبه مستحيل عملياً وخصوصاً على ضوء السوابق. فعندما أبطل الدستوري قانون تعديل أحكام قانون الانتخاب بقراره الرقم 4/1996، استند فيما استند إليه على تمديد إضافي لولاية مجلس النواب، برغم أن الانتخابات كانت ستجري على أساس هذا التعديل، ولم يكن ذلك تمديداً لولاية قائمة، ولكن المجلس عاد في أول انتخابات إلى تمديد الولاية قبل إجراء الانتخاب، برغم أن أحكام قانون إنشاء الدستوري وقراراته ملزمة لجميع السلطات.
ومن هنا يمكن القول إن هذا الإلزام، وفق ما جرى، يقتصر على حالة محددة وفي زمن محدد، ولا يمكن استمراره إلا بعد طعن جديد يتجدد بموجبه القرار، باعتبار أن الدستوري لا يملك صلاحية المبادرة للنظر في القانون.