في توقيت لافت وبالغ الدلالة حط رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع رحاله في ضيافة الرئيس المكلف سعد الحريري، في «بيت الوسط» ليل أول من أمس».. ومن قبل تناول «العشاء التكريمي»، أطل جعجع على الرأي العام ليعلن مجموعة ثوابت من بينها «الدعم الكامل للعهد..» الاجواء القائمة في البلد لا تساعد على تشكيل الحكومة.. «وقف السجالات السياسية، ان كان ما يتعلق منها بتشكيل الحكومة او أي سجالات أخرى ذات طابع حزبي ضيق..» وتشكيل الحكومة هو لدى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف..
ما كان ينتظره اللبنانيون من جعجع رماه في ملعب الرئيسين العماد ميشال عون وسعد الحريري.. وهو «وضع ما كان ينتظره اللبنانيون، لجهة تأليف الحكومة في عهدة الرئيسين لكي يريا ما هو المناسب ويتخذانه..»؟! من دون ان يعني ذلك، ان الرجل قدم تسهيلات فاعلة لتبصر الحكومة النور في أقرب وقت ممكن.. خصوصاً وأن «زمن الهدايا المجانية ولّى.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..».
طبيعي ان تتجه الانظار في الآتي من الأيام الى ما سيؤول اليه لقاء الحريري – جعجع، وان كان رئيس «القوات» شدد على ان يبقى ما تم تداوله من آراء ومشاريع حلول للخروج من عقدة التأليف، التي هو أحد أبرز رموزها «ضمن غرف مغلقة» وان كان شدد على «ان أياً من الاحزاب لا تستطيع ان تزن بعضها البعض..».
قد يكون من الصعب رسم صورة واضحة لما آل اليه اللقاء.. والرئيس الحريري يعتكف بالصمت، وهو أمام لوحة بالغة التعقيد، وكما ان «الحكومة لا تشكل لاعلى الطريق ولا في القهوة ولا في أثناء مشاهدتنا كرة القدم..» فإنها أيضاً لا تشكل على موائد الطعام وفي الكواليس، وبعيداً عن سائر المعنيين بهذه المهمة.. خصوصاً «التيار الوطني الحر»، الذي يشكل عصب الممانعة في ان تعطى «القوات اللبنانية» ما يفوق حجمها و»حصتها» في الحكومة العتيدة.. حيث يخوض الطرفان «معركة أحجام».. الامر الذي دفع بأقرب المقربين من الرئيس الحريري الى اعتبار ان «التيار» و»القوات» قادرين على حل موضوع الخلاف القائم بينهما، لأنهما يعلمان ان لبنان لا يتحمل التأخير بشأن تشكيل الحكومة..
صحيح ان الرئيس الحريري هو «الحكم» لكنه وعلى ما دلت التجارب، فهو يحرص على ان تكون الحكومة متوازنة.. وهو لا يرى مانعاً في التأخير الى حين الوصول الى اتفاق يرضي الجميع.. وتأسيساً على هذا، فإن لقاء الحريري مع جبران باسيل بات ضرورة لاستكمال عقد المفاوضات بين أبرز فريقين يعطلان تشكيل الحكومة العتيدة..
من أسف، أن ما يقال في الامثال الشعبية، لجهة «اسمع كلام يعجبني أرى أفعالك أتعجب» أكثر ما ينطبق على «الثنائي – الماروني» («القوات» و»التيار») اللذين يخوضان مواجهة ليست سهلة، وصراعاً مريراً حول من ستكون له «الكلمة العليا».
لم ينكر «التيار الحر»، أحقية «القوات» في ان تتمثل في الحكومة الجديدة، كما وان «القوات» لم تنكر أحقية «التيار» في ان يتمثل.. وقد قالها عديدون من الجانبين، «ان التحدي هو الاسراع في تشكيل حكومة تضم كافة الاطراف السياسية من دون استثناء بحسب التمثيل الذي أفرزته الانتخابات النيابية..» مع فارق تشديد «التيار» على «عدم اغفال الحصة الوزارية لرئيس الجمهورية التي كرسها العرف في حكومات ما بعد الطائف، إضافة الى منصب نائب رئيس الحكومة..» كما ومع فارق تشدد على «القوات»، لجهة ما نص عليه «اتفاق معراب» لجهة المناصفة في المقاعد الوزارية، وهي مسألة لم تلق قبولاً لدى الرئيس عون، كما ولدى «التيار الحر» الامر الذي دفع بـ»القوات» الى مواصلة اتهامها «التيار» بالاخلال بالتفاهم السياسي..
قد يكون من المبالغة في التفاؤل القول ان فصول الاشتباك السياسي – الاعلامي بين «القوات» و»التيار» قد تشهد تراجعاً يذكر، ويفسح في المجال أمام ولادة خريطة طريق جديدة من أجل ان تبصر الحكومة النور في أقرب وقت ممكن، لاسيما وان العقدة الدرزية لا تقل قساوة عن العقدة المارونية – المارونية.. والجميع ممسك بسكينه ليقطع القالب الوزاري كما ونوعاً.
تتجه الانظار الى بعبدا، وما سيحمله الرئيس الحريري من معطيات جديدة.. وذلك على الرغم من أن «المكتوب يقرأ من عنوانه..». وقد قالها جعجع بوضح لافت في «بيت الوسط»، «ان اجواء البلد لا تساعد في تشيكل الحمومة» لكن السؤال هو كيف لاجواء البلد هذه، ان تتبدل وتتغير مادام كل فريق متمسك بما يعتبرها «حقوقاً الهية» ك.. الأمر الذي دعا البعض الى دعوة «التيار» و»القوات» الى الجلوس من جديد على طاولة الحوار، والنظر بواقعية لمصلحة البلد، خصوصاً وأن «تفاهم معراب» يعني الفريقين ولا يعني سائر الافرقاء اللبنانيين إلا بقدر ما يضمن «التعايش» بينهما، وقبول أحدهما الآخر..
يبدي البعض خشيته من ان يكون وراء زيارة جعجع لـ»بيت الوسط» أهدافاً مضمرة، غير تلك المعلنة.. لاسيما وان «اللاءات» الكثيرة – من هنا وهناك – نضع الرئيس المكلف أمام خيارات قليلة، بالغة الدقة والمسؤولية، وفي جانب منها – بالغة الخطورة – وتتخطى مسألة الصراع على الاحجام، والكل يحاول «شد الحبال» الحكومية صوبه، بما يمكنه من التحكم بمسار الامور؟! يبقى السؤال الاخير، والاكثر انتظاراً، وهو، هل اودع جعجع الرئيس الحريري «أمانة» لا يعلن عنها إلا «ساعة الحشرة» من أجل تسهيل ولادة الحكومة؟!