إنها ديبلوماسية الضرورة التي تملأ فراغ الديبلوماسية اللبنانية، وهي تشبه تماما سياسة الضرورة التي تملأ فراغ السياسة اللبنانية، وبين الديبلوماسية والسياسة يتحرَّك الزعيم الشاب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري.
منذ عودته الى لبنان، حرَّك ملف الرئاسة اللبنانية، أنعش الحركة السياسية الغارقة في مستنقع المراوحة، زار الشمال والبقاع ووصلَ الليل بالنهار مستقبلاً ومناقشاً وناصحاً ومحذراً، حركة لا تهدأ سواء في بيروت أو في باريس أو في الرياض أو في موسكو. انه الحامل بطيخات الهموم اللبنانية، من النفايات التي أوجد الحل لها، كما وعد، الى ملف الرئاسة الذي يحمله في عقله وقلبه وعلى كتفيه.
***
الرئيس سعد الحريري يبدو أنه اغتنم فسحة الهدنة الرئاسية بين الجلسة السابعة والثلاثين التي مضت والجلسة الثامنة والثلاثين الأتية في نيسان، فقرر التوجه الى موسكو عاصمة أكثر من قرار في هذه الايام، لذا هو غادر لبنان ليل الأحد – الاثنين الى باريٍس، ومنها الى موسكو حيث سيكون في عداد الوفد وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي انتقل من لندن، بعد محادثات فيها، الى باريس ليلتحق بالوفد.
***
لماذا موسكو؟
هناك عدة إعتبارات تجعل من عاصمة القياصرة وجهة ديبلوماسية وسياسية بامتياز.
بداية، لا بد من الإشارة الى ما كشفته وكالة انترفاكس الروسية عن زيارة قام بها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية جون برينان الى موسكو في مطلع آذار الحالي، واتت تلك الزيارة بالتزامن مع الدور الفاعل لروسيا في سوريا والذي أدى الى تعديل موازين القوى ميدانيا وأتاح البدء بمحادثات جنيف من شأنها ان تؤدي الى تسوية برعاية موسكو وواشنطن.
بهذا المعنى تبدو موسكو بوصلة السياسة الدولية في هذه الايام حيث تزدحم اللقاءات والمواعيد فيها. وبهذا المعنى يزورها الرئيس الحريري للدفع بملف رئاسة الجمهورية الى الأمام، خصوصاً ان هذا الملف هو الشغل الشاغل للرئيس الحريري منذ ان حرَّك المستنقع الذي كان غارقاً فيه قبل السابع عشر من تشرين الثاني الفائت حين استقبل الوزير سليمان فرنجيه في باريس.
***
ما هو المرتجى من زيارة الرئيس الحريري لموسكو؟
تعتقد مصادر ديبلوماسية مخضرمة ان موسكو، ومنذ تدخلها المعلن والجدي في سوريا، قررت ان تكون عنصراً فاعلاً في المنطقة، وبهذا المعنى حجزت لنفسها مقعداً امامياً في المحادثات الجارية لمستقبل المنطقة: منذ مدة استقبلت وفداً اماراتياً رفيع المستوى، وهذه المحادثات لها علاقة بحرب اليمن، وفي الوقت ذاته كانت عينها على جنيف لاستكشاف مستقبل المحادثات حول سوريا.
في خضم هذه التطورات، وموسكو في قلبها، من غير المنطقي ان يكون لبنان جزيرة معزولة، فهو يؤثر ويتأثر، ولأنه كذلك فقد قرر الرئيس سعد الحريري ان يكون في عاصمة القرار ليستكشف بوصلة المنطقة عسى الوصول الى الجلسة ال 38 الرئاسية وقد نضج ربيع الرئاسة اللبنانية.