بوادر إيجابية في جلسة الحوار الثالثة عكستها مواقف عون
هل ثمّة رابط مع الحراك الروسي والأميركي لتسريع التسوية في سوريا؟
تخلّي عون عن مطلب تعديل الدستور شكّل نقطة تحوّل إيجابي في مسار الحوار
هل نزل الوحي على المتحاورين في ساحة النجمة حتى تحوّل حوار الطرشان الذي شهدته الجلستان السابقتان حول الاستحقاق الرئاسي إلى مقاربة موضوعية من الفرقاء وحتى من رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون لهذا الاستحقاق ولو من مدخل إعطاء الأولوية للإنتخابات النيابية على أساس قانون يعتمد النسبية أو القانون الأرثوذكسي ولو معدّلاً، وما علاقة ذلك بالحراك الدولي الجاري حالياً على قدم وساق بين روسيا التي أرسلت بعضاً من ترسانتها العسكرية إلى سوريا والولايات المتحدة الأميركية للوصول إلى تسوية في هذا البلد العربي الذي يحترق شبراً شبراً منذ أكثر من أربع سنوات والعالم كلّه يتفرّج عليه، وكأن فناء الشعوب لا تعنيه ولا تستحق أي تحرك أو إجراء لإيقاف هذا الحمّام من الدم.
المشهد في ساحة النجمة كما بدا من خلال النقاشات التي دارت في جلسة الحوار الثالثة والتركيز على البند الأول فيها وهو انتخاب رئيس جمهورية، ودخول النائب عون للمرة الأولى على الخط من زاوية التخلي عن مطلب تعديل الدستور لانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة شكّل نقطة تحوّل إيجابي في مسار الحوار حول الاستحقاق الرئاسي وفتح الباب أمام المتحاورين للغوص في عمق وتفاصيل وآليات إنتخاب رئيس الجمهورية، الأمر الذي اعتبره راعي هذا الحوار الرئيس نبيه برّي نقلة نوعية في مسار الحوار بين الفرقاء اللبنانيين، من شأنها أن تعطي جرعة أمل في إمكانية الوصول إلى إتفاق أو توافق بين المتحاورين يضع حدّاً لأزمة الشغور في رئاسة الجمهورية ويجدّد شباب الطبقة السياسية التي بدأ الشعب يطالب برحيلها بعدما أثبتت عجزها عن الاستمرار في إدارة دفة الحكم، بسبب إرتهان البعض منها إلى الخارج والذي يعمل وفق مصالحه ويستخدم هذا البلد ورقة للوصول إلى تحقيق هذه المصالح وغرق البعض الآخر في الفساد ونهب أموال الشعب ولو أدى به الأمر إلى الإنهيار المدوّي الذي يشهد الجميع بوادره في هذا الإهتراء الكبير المتفشي في كل مؤسسات الدولة ومرافقها العامة.
وبناءً على هذه الرؤية قرّر صاحب الرعاية تكثيف إجتماعات الحوار إعتباراً من السادس من الشهر المقبل على أمل أن يستمر الحوار على النحو الذي ظهر في الجلسة الثالثة وعلى أمل أكبر في الوصول إلى اتفاق على انتخاب رئيس الجمهورية في وقت ليس ببعيد كما كان يُحكى في الكواليس الدبلوماسية الغربية والعربية على حدٍّ سواء، وفي أسوأ الأحوال بعد أن ينضج الحوار الروسي – الأميركي حول موعد التسوية السياسية للأزمة السورية التي بات استمرارها يشكّل خطراً على السلم العالمي ولا سيما بعد التدفق الهائل للنازحين السوريين إلى بلاد الغرب وشعور أنظمته بخطر هذا التدفق على ديمقراطيتها، هذا الحوار الذي كما تُجمع المعلومات الدبلوماسية والاتصالات المعلنة بين موسكو وواشنطن أنه يسير بخطى سريعة لإنهاء الأزمة السورية وإن كان تحت عنوان بناء تحالف عسكري بينهما لإنهاء الظاهرة الداعشية التي باتت تشكّل خطراً حقيقياً على العالم ولا سيما إذا ما تركت تتمدّد وتتوسّع في سوريا في ظل استمرار الخلاف بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حول النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، ومن سيكون الرابح من استمرار الحرب الدائرة في سوريا بين النظام الأسدي وبين المعارضة وفي مقدمها داعش التي باتت تشكّل العنوان الأوّل للاهتمام الأميركي – الروسي وحتى لاهتمام الغرب بكل مكوناته ولو اتسعت شقة الخلافات بين دوله بسبب تضارب المصالح والتسابق على النفوذ والسيطرة على هذه المنطقة التي ما زالت غنية بمواردها رغم الحروب المتنقلة التي تعصف بها.
وإذا كانت كل المواقف المعلنة حتى الآن من الجانب الروسي الذي يواصل عبر الجسر الجوي الذي أقامه بين موسكو واللاذقية ذات الأكثرية العلوية المؤيدة لاستمرار نظام بشار الأسد تُشير كلها إلى أن الولايات المتحدة الأميركية أبدت رغبة في الدخول على خط الحوار مع موسكو للوصول إلى تفاهم حول تسوية سياسية في سوريا بدءاً بإقامة تحالف عسكري لوقف توسّع داعش في السيطرة على كل سوريا، بعد أن أُنهك جيش النظام ولم يعد قادراً على الصمود في وجه هذا التمدّد الداعشي، وعجز المعارضة المعتدلة في المقابل من أن تتوحّد في وجه داعش وملحقاتها، إلا أن ثمة مخاوف ما زالت قائمة من عدم توصلهما إلى إتفاق في ظل الاستمرار الروسي بالتمسك ببشار الأسد وإن كان ذلك لفترة إنتقالية ريثما يُصار إلى الاتفاق على النظام البديل برعاية الدولتين في الوقت الذي لا تزال الولايات المتحدة تعتبر أن المشكلة الأساسية التي تمنع التوصّل إلى تسوية سياسية هي بقاء الأسد في السلطة ولا بدّ قبل الوصول إلى هذه التسوية من الاتفاق على هذه النقطة المحورية والتي تشكّل السبب الرئيسي للخلاف القائم مع موسكو حول مستقبل الأوضاع في سوريا.
وعلى العموم فإن الحراك الروسي – الأميركي لا يزال في مراحله الأولية ومن السابق لأونه البناء على نجاحه أو فشله لكنه من الثابت أيضاً أن الحوار الداخلي سيتأثر به ولو بحذر شديد، وهذا ما عكسته الأجواء الإيجابية في المناقشات التي شهدتها جلسة الحوار الثالثة التي انعقدت في ساحة النجمة يوم أمس وحضرها النائب عون شخصياً بعد أن غاب عن الجلسة الثانية وحرص على أن يُبدي بعض الليونة بالنسبة إلى مواقفه السابقة المتشددة لجهة الإصرار على تعديل الدستور وانتخاب الرئيس من الشعب، وهو الذي حمل راعي الحوار إلى تكثيف جلسات الحوار لتواكب الحراك الروسي – الأميركي الذي تتسارع وتيرته بشكل لم يكن متوقعاً في الأسابيع القليلة الماضية.