ارتفعت وتيرة الزيارات الديبلوماسية الى بيروت في الاسبوعين الاخيرين على نحو اوحى بالنسبة الى متابعين كثر برغبة لدى عواصم مؤثرة في ان تلعب ادوارا او ان يكون لها ادوار تقوم بها في الوضع اللبناني ورغبة في البحث عن سبل لمساعدة لبنان سياسيا واستطلاع الوسائل او المستويات التي يمكن هذه الدول المساعدة فيها. وهذا على الاقل ما رشح من زيارات ديبلوماسية عدة فيما تشكل هذه الزيارات بالنسبة الى مراقبين مطلعين دلالة على ان تحريك الامور بهذا الزخم وبهذا الحجم ليس امرا عابرا وانه لا بد من ان الدول المهتمة بدأت تشعر بان الوضع اللبناني لا يحتمل المزيد من التأجيل. والتحرك الديبلوماسي الذي لم ينحصر بجهة واحدة بل بات متعددا يفيد بان حركة من هذا النوع غير محتملة اذا لم تكن هادفة بغض النظر عن توقيت الوصول الى نتائج في شأنها وهو اعاد اعطاء دفع للتحرك الفرنسي بعدما انحسر نسبيا التفاؤل الذي اطلقته زيارة مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو في انتظار المزيد مما يمكن ان يستشرفه من زياراته لبعض العواصم الاقليمية بدءا من طهران. فبعد روسيا وفرنسا كان للامم المتحدة زيارات لمسؤوليها الى بيروت ثم لسويسرا وبريطانيا لاحقا في الوقت الذي يركز المسؤولون جل اهتمامهم على ما اذا كان يمكن ان تنجح المبادرة الفرنسية ام لا. اذ ان قوى في 8 آذار ترى ان خصومها دفعوا بالامور بعيدا في التفاؤل حول مهمة جيرو في الوقت الذي تقول ان ثمة قراءة قد تكون خاطئة للموقف الايراني انطلاقا من معطيات لدى هذه القوى تقول بأن موقف طهران لا يمكن ترجمته بان حلحلة محتملة قريبا او ان لدى طهران استعدادا للمساومة على شخص الرئيس التوافقي المقبل. اذ يعتقد اصحاب هذا الرأي ان الفرنسيين قد يكونون حملوا الكلام الايراني او سؤال المسؤولين الايرانيين لنظرائهم الفرنسيين حول ما يمكن القيام به حول الملف الرئاسي اللبناني اكثر مما يحتمل استنادا الى اعتقاد لدى اصحاب هذا الرأي بان طهران لن تساوم مع الفرنسيين حول الملف الرئاسي اللبناني في الوقت الذي ترغب فيه ايران في مساومة الاميركيين وحدهم وليس الاوروبيين او فرنسا، اقله على ذمة ما تعتقده هذه القوى في 8 آذار، فضلا عن اعتقاد هذه القوى ان ايران لن تساوم على اي امر في لبنان او سواه قبل الانتهاء من ملفها النووي خصوصا في الوقت الذي يذكر المسؤولون الايرانيون على مختلف مستوياتهم بان نفوذهم بات يمتد من اليمن الى لبنان للقول ان ايران باتت في موقع لا يستهان به وانها تملك اوراق مساومة عدة في يدها.
اصحاب هذا الرأي في قوى 8 آذار يقولون ايضا ان القراءة الخاطئة اجرتها قوى 14 آذار لمواقف نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف حول الرئيس التوافقي ودعمه اعلان بعبدا او بالاحرى بنت على هذه المواقف اكثر مما تحتمل انطلاقا من استمرار دفاع موسكو عن انخراط ” حزب الله” في الازمة السورية دفاعا عن النظام فيها او في تبني المنطق الذي يدفع في اتجاه رئيس توافقي بمقدار ما هو منطق يدفع في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية من دون اتخاذ جانب اي طرف.
هناك في قوى 14 آذار من اعتبر ان جيرو حمل افكارا تشي باندفاع فعلي لملف الرئاسة الاولى من دون اوهام عن احتمال انتهاء البحث فيه والوصول الى نتائج ملموسة قبل الربيع المقبل. الا ان من ضمن هذه القوى ايضا من يشارك القوى المذكورة في 8 آذار الانطباع بان ايران لن تعطي فرنسا ورقة الرئاسة اللبنانية وهي تملأ الوقت الضائع بانطباعات ايجابية عن استعداداتها في هذا الاطار لكن من دون نتائج فعلية وفق ما يقول اصحاب هذا الرأي. ثم ان فرنسا تبحث عن دور لها في موقع مسيحي لا مرجعية سياسية عملية له في ظل مرجعيات اقليمية للطوائف الفاعلة الاخرى في لبنان ولو انها لا تضع هذا الاعتبار علنا في سلم اولوياتها وتحاول ان توظف اتصالاتها للوصول الى نتيجة في هذا الاطار في ظل المخاوف الكبيرة على مسيحيي الشرق وسوء ادارة المسيحيين في لبنان لهذا الملف وعجزهم عن بته لمصلحة توافقهم.
بالنسبة الى المصادر المتفائلة، فإن امرين داخليين مواكبين للحركة الديبلوماسية الغربية في اتجاه لبنان يعززان التفاؤل او محاولة توقيت مواكبة حركة الداخل مع المساعي الخارجية من اجل انجاز الاستحقاق الرئاسي: احدهما هو الحوار المزمع اجراؤه بين تيار المستقبل و”حزب الله” والذي لا يأتي من فراغ بمقدار ما يعبر عن توجهات اقليمية في الاتجاه نفسه، ثم زيارة رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع الى المملكة العربية السعودية للمرة الثانية خلال فترة قصيرة مما اعطى دفعا للاقتناعات بان التحضيرات قائمة من اجل انجاز الاستحقاق الرئاسي بغض النظر عن توقيت حصوله ومن دون استبعاد بروز عراقيل تعيق التوصل الى الانتخابات الرئاسية في مدى قريب يحده كثر بالربيع المقبل في حين تقول المصادر المتفائلة بان الامور قد تنجز في موعد اقرب لا يتعدى مطلع السنة المقبلة.