تعود العلاقة اللبنانية – السعودية الى واجهة الاحداث في اعقاب ما خلفته زيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى المملكة العربية السعودية من مواقف وبعد البيان الختامي الذي جرى فيه المساواة في توصيف حزب الله وحماس بداعش والنصرة والهجوم على إيران، مما استدعى ردودأ كثيرة على هذا الكلام واستتبع ردأً خاصاً من وزير الخارجية جبران باسيل أثار جدالأ واسعاً قبل ان ينوه به الامين العام لحزب الله واصفاً اياه بالشجاع والصادق. فالواضح ان ما قبل القمة على مستوى العلاقة بين الجانبين اللبناني والسعودي ليس كما بعده خصوصاً ان علاقة العهد الجديد بالسعودية سبق ان اتخذت منحى ايجابياً ومختلفاً في انطلاقة العهد اذ طويت صفحة دراماتيكية في العلاقة الماضية بين السعودية والتيار الوطني الحر بعد وصول ميشال عون الى سدة الرئاسة، وعليه فان رئيس الجمهورية تقصد ان تكون فاتحة عهده زيارة غير مسبوقة الى المملكة وهي سابقة في تاريخ رؤساء الجمهورية فقد درجت العادة ان يزور الرئيس المنتخب فرنسا او الفاتيكان، فرئيس الجمهورية اراد ان لا تكون زياراته الى دول حليفة لخطه السياسي لاعادة ترتيب ما افسده الزمن ومن اجل صياغة علاقة جديدة بين لبنان ومحيطه العربي ولتأهيل العلاقة من الشوائب السياسية والملفات التي تسببت بما يشبه القطيعة الرسمية مع افرقاء في الدولة اللبنانية، وعليه فان مبادرة العهد تجاه السعودية وصفت في حينه بغير التقليدية والشجاعة.
في هذا الاطار بقيت العلاقة وظل المشهد اللبناني السعودي مثالياً تقريباً ولا تعكره اشكاليات اساسية ضمن ضوابط واحترام رسمي ومواقف مدوزنة، ومع وقف الحملات السياسية بين الجانبين، رغم ان الانفتاح على المملكة لم يحقق الكثير من النتائج العملانية لتحريك ملفات نائمة في الادراج واذ لم يكن منتظراً ان يعمل التقارب على صنع المعجزات بكبسة زر نظراً للملفات والاستراتيجيات والمواقع المختلفة. لكن لم يكن متوقعاً ان تعود العلاقة الى نقطة الصفر وما ينذر بهبوب عاصفة سياسية او قطيعة ما، فصحيح ان الجانب السعودي لم يبادر الى دعوة رئيس الجمهورية لحضور القمة مكتفياً برئيس الحكومة ووزير الخارجية تجنباً لإحراج الرئاسة ربما الأمر الذي سبب بلبلة داخلية حول ظروف الدعوة إلا ان الأكثر احراجاً كان وزير الخارجية جبران باسيل الذي حار في التعاطي مع ما صدر في القمة وتبرير ما حصل بعدم المعرفة بصدور بيان ختامي عالي اللهجة والسقف.
وفي المحصلة مهما حاول الطرفان اللبناني والسعودي عدم الدخول في سجال مباشر او الإيحاء بعدم وجود خلل فان واقع الحال ان الأمور لا تسير وفق ما هو مخطط له وما تم رسمه في بداية العهد الجديد. فالعهد الجديد لا يبدو انه يقيم اعتباراً لما تم انجازه من خطوات لبنانية ومبادرات ايجابية في بداية مسيرة العهد لطي صفحة الماضي، فالمملكة كما تقول اوساط سياسية لم تتردد في تنفيذ اجندتها السياسية وفق مصالحها الاقليمية دون اي اعتبار للبنان، وبدون شك فان موقف رئيس الجمهورية من مصر كان المسمار الذي دق في اسفين العلاقة فجرى فسخ ما جرى تصحيحه في العلاقة، فالمملكة وفق الاوساط ادركت متأخرة ان «ميشال عون قبل الرئاسة وبعدها هو الشخص نفسه» اذ من الصعب استدراجه الى المحور الإقليمي الذي تنتمي اليه السعودية وبالتالي فان فترة السماح التي اعطتها المملكة لترتيب وضع افضل مع الرئاسة او التقرب من استراتيجيتها في المنطقة قد انتهت وقد بدأ توجيه الرسائل من تحت الطاولة وفوقها ومنها حجب الموقع الالكتروني للتيار الوطني الحر ومجموعة شيفرات تتم قراءتها بدون الغوص فيها او التصويب عليها.
لكن التباين في السياسة الذي عاد ليبرز بقوة مؤخرا لا يعني قطع العلاقة او «شوشرة» المسألة، فالجانب البناني يدرك ان للمملكة حساباتها الدولية والاقليمية الكبيرة، كما تعرف المملكة ما هو تفاهم مار مخايل والعمق الاستراتيجي القائم بين الضاحية وبعبدا، عدا ذلك فان الوضع لا يمكن بحسب الاوساط ان يتدهور كلياً على ما كان عليه في الماضي بين بعبدا والمملكة، «فملائكة الرئاسة» حاضرون بقوة في الرياض، ورئيس الحكومة سعد الحريري عاد مؤخراً الرجل الأول لبنانياً في المملكة بعدما اعاد ترتيب اوراقه التي تبعثرت من فترة ما قبل التسوية الرئاسية فالحريري الذي تجمعه افضل العلاقات السياسية برئاسة الجمهورية على نحو غير مألوف في العلاقات بين الرئاستين الأولى والثالثة هو «صلة الوصل» التي انقطعت مع الجانب السعودي او حجر الزاوية في هذه العلاقة، والحريري كما تقول اوساط سياسية ساهم في القيام بدور اساسي في «أزمة القمة «وتداعياتها لدى رئاسة الجمهورية لضبط الانفعالات وعدم التصعيد في حين لم تلتزم المملكة السعودية الهدنة مع الجانب اللبناني وقد جاء قرار وقف الموقع الالكتروني للتيار الوطني الحر رداً مبطناً او غير معلن على العديد من المواقف ومنها تغريدة باسيل وموقف رئيس الجمهورية الذي اكمل ما بدأه وزير الخارجية عندما تحدث امام وفد نادي الصحافة عن دول تمول الارهاب الأمر الذي كان له وقعه عند السعوديين. وعليه تقول الاوساط فان واقعاً مغايراً ومختلفاً يسود العلاقة اليوم ويفرض نفسه وهو ان التعاطي يختلف على مستوى الرئاسات، فرئيس الحكومة لا يشبه رئيس الجمهورية في نظر السعوديين، فرئاسة الجمهورية ليست في صدد التراجع او تقديم الاعتذارات ولا الجانب السعودي قد يفعل، والمملكة لها اولوياتها الدولية والاقليمية وحساباتها في المنطقة وهي التي اطلقت الحرب على إيران في حضور الرئيس الأميركي على اراضيها.