IMLebanon

هل من شبه بين الانتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة والأميركيّة؟

حوار بين اثنين:

– هل من وجه شبه بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية، بخاصة في الآونة الأخيرة؟

وجه الشبه البين ولو من حيث المبدأ، إجراء الانتخابات الرئاسية، في أميركا إنفاذاً لدستور واضح ومحدد وصريح وكل أربع سنوات بالتمام والكمال، وقد حملت الانتخابات الأخيرة الجمهوري دونالد ترامب لأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.

أما في لبنان، فأجريت انتخابات رئاسية متأخرة عن موعدها الدستوري ما يزيد عن سنتين ونصف السنة، وحملت العماد ميشال عون الى قصر بعبدا.

والرئيس الأميركي ينتخب بموجب نظام ديموقراطي غير قابل للتسوية، فيما الرئيس في لبنان ينتخب «على التيسير»، وكان في الماضي يلتزم هذا الرئيس بالتمرس في الحكم لمدة ست سنوات، في الحالات الطبيعية، لكن بعض الرؤساء أمضى تسع سنوات بعد تجديد نصف الولاية.

وتسأل عن الفارق: هناك ديموقراطية وفق الأعراف الصحيحة والصحية، فيما نحن نعتمد ما يطلق عليه «الديموقراطية التوافقية»، وهذا يعني ديموقراطية تحت الطلب والتيسير.

لكن إذا أردنا أن نكون منصفين وموضوعيين بعض الشيء، لوجب ملاحظة التالي:

ما شهده لبنان أخيراً يجب اعتباره إنجازاً واضحاً، هذا في ما يمس الوضع قياساً بما يجري من حول لبنان في دول الجوار العربي القريب والبعيد.

يعني القضيّة نسبيّة!

في لبنان، نحن في انتظار تأليف الحكومة الجديدة برئاسة السيد سعد الحريري، ويتردد أن هذا الإنجاز سيتم قبل ذكرى الاستقلال، التي تصادف في الثاني والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري. وعليه نترقب هذا التطور.

أما عما أفرزته الانتخابات الأميركية، فهو ما يحكى عنه الكثير.

الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، في العقد السابع من عمره وينتمي مبدئياً الى الحزب الجمهوري، لكن المفارقة أن قسماً غير قليل من الحزب لا يريد لترامب أن يكون رئيساً للسنوات الأربع المقبلة، هذه واحدة من المفارقات في الانتخابات الأميركية.

ما أسباب ذلك؟

يُنسب الى الرئيس الجديد أنه ينتمي الى اليمـــين المتشـــدد، وأن هذه الشرائح من الحزب الجمهوري لم تعد تميل الى أقصى اليمين كما كانت عليه الحال منذ سنوات.

وقد عمّت التظاهرات الاحتجاجية على انتخاب ترامب العديد من الولايات الأميركية، لكن الرجل تحدّى معارضيه ومؤيديه وخاض الانتخابات وفاز فيها على مرشحة الحزب الديموقراطي السيدة هيلاري كلينتون، وعلى رغم أن كل استطلاعات الرأي التي أجريت رجحت فوز كلينتون في الانتخابات، فآراء الناخبين كانت غير ذلك.

علينا أن نولي ما جرى في الولايات المتحدة أهمية كبيرة ليس لأسباب أميركية فحسب، بل لتدخّل السياسات الأميركية وتداخلها في المنطقة والعالم.

ويخشى كثر من الأميركيين وغيرهم لجوء الرئيس الجديد الى ممارسة أقصى شعارات التطرف التي تؤذي أميركا، ودول العالم الأخرى.

والسؤال الكبير الذي يطرح دائماً بعد كل انتخابات: هل سيطبق الرئيس المنتخب كل ما أعلنه من شعارات خلال حملته الانتخابية؟ أم أن ما قبل الفوز شيء وبعد الفوز أمر آخر؟

الرجل (ترامب) شخصيته صدامية مثيرة للجدل والإشكاليات، وهو سيرسم سياسات واشنطن للسنوات الأربع الآتية بالتعاون مع مجلسي الشيوخ والنواب، حيث احتفظ الجمهوري بالأكثرية.

ومن حيث «الشكل العام»، يتباهى الرئيس دونالد ترامب بتاريخ حافل من العلاقات الحميمة الخاصة، وهو يأتي من خلفية رجل الأعمال الذي يعيش الأمور من زاوية الربح والخسارة، وخلال حملته الانتخابية والتي تواصلت على مدى الأشهر الأخيرة، أطلق تصريحات مثيرة للاهتمام. فهو قال على سبيل المثل لا الحصر، أنه سيعمـــد فور تسلّمه سلطاته الدستورية، الى تمزيق الاتفاق النووي الإيراني الذي أمضى الرئيس الحالي باراك أوباما، السنوات والشهور في التفاوض مع طهران توصلاً إليه، واعتُبر واحداً من إنجازاته الكبيرة.

وفي الأمس، زار الرئيس ترامب البيت الأبيض بدعوة من الرئيس الراحل عن البيت الأبيض أوباما، وعملاً بتقاليد الحياة الديموقراطية في الولايات المتحدة فإن الرئيس الجديد تسلّم ما يطلق عليه «السر النووي». ويخشى كثر من الأميركيين وغيرهم أن يلجأ الرئيس المنتخب الى «استخدام سيئ» للسر النووي.

وعلى الصعيد الدولي، فمن المفارقات أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين راهن على فوز دونالد ترامب، فهل ينحو بوتين بذلك نحو السياسة اليمينية في بلد قام على اليسار وحقق الكثير من الإنجازات باسمه، وكيف ستكون عليه العلاقات بين الشرق والغرب في ضوء التغيير الأميركي في موقع الرئاسة الأولى؟

كذلك الأمر في أن سياسة اليمين المتطرف لا يشاطره فيها العديد من زعماء القارة الأوروبية، فكيف ستكون عليه العلاقات الأميركية – الأوروبية في عهد ترامب الآتي؟

أما بالنسبة الى المنطقة العربية، فقد عبّر ترامب عن بعض الآراء حيال ما يجري في سورية والعراق. فهو بالتأكيد يعارض «الدولة الإسلامية» (داعش)، وهو على استعداد لعقد تحالفات مع أطراف أخرى للعمل على منعه من تحقيق إنجازات جديدة. أما بالنسبة الى الوضع في سورية، فهو يختلف في مواقفه عن الرئيس باراك أوباما، إذ أعلن ترامب أنه على استعداد لتقديم السلاح الى «عناصر معارضة»، أي معارضة… على كثرتها وتعدّدها؟

سيكون دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، وإذا كان حزبه لا يؤيد سياسته أو البعض فيها على الأقل، فكيف ستكون مواقف واشنطن خلال السنوات المقبلة؟

بين يمين متطرف ويسار متطرف أو معتدل على الأقل؟

لقد أحدث فوز ترامب أكثر من صدمة في أكثر من طرف.

صدمة لدى الحزب الديموقراطي الذي راهن على فوز السيدة هيلاري كلينتون المجربة في التمرس بالحكم عبر وزارة الخارجية.

وشكّل صدمة لـ»حزبه الجمهوري»، فكيف سيحكم؟

على الرئيس المنتخب أن يدرك أن اليمين المتطرف لم يعد «موضة عصرية» كأسلوب حكم، لذا عليه إضافة بعض المرونة الى مواقفه المتطرفة سواء في الداخل الأميركي أو في العالم الخارجي، وإلا فسيواجه أربع سنوات صعبة في البيت الأبيض.

لقد نسينا لبنان؟

لا لم ننس لبنان، لكن الانتخابات الأميركية طغت على كل ما عداها من أحداث في لبنان والمنطقة والعالم.

لقد عانى اللبنانيون الكثير من حالات الفراغ خلال سنتين ونصف السنة، وهم يتوقعون بعض الهدوء للأشهر المقبلة على الأقل.

لكن؟

خلال الاحتفال بذكرى قيام حركة الرابع عشر من آذار (ما يسمى)، خرج الرئيس سعد الحريري عن نص خطابه ليخاطب رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع: «يا ليتك يا حكيم أعلنت ترشيحك للعماد ميشال عون قبل ذلك لكنت وفرت الكثير على المسيحيين»!

فوجئ الدكتور جعجع للحظات، لكن الغضب خيّم عليه احتجاجاً على التعبير الذي سمعه.

واليوم، يمكن استعارة التعبير نفسه: أيها اللبنانيون من موالين ومعارضين، لماذا انتظرتم ما يزيد عن السنتين والأشهر الستة لانتخاب رئيس للجمهورية؟

ليتكلم فعلتم ذلك من زمان لكنتم وفّرتم على لبنان واللبنانيين الكثير من الويلات.

في كل حال ما زال اللبنانيون، بعضهم على الأقل، يعلقون بعض الآمال على اتفاق زعمائهم على الحد الأدنى من العمل الوطني، وعسى ألا يصابوا بالمزيد من الخذلان والخيبات!

وبعد…

لقد طرحت موضوع المقاربة بين الانتخــــابات الرئاســـية في لبنان والانتخابات في الولايات المتحدة ولو على سبيل الاستـــعارة والتشبيه. لكن ملامسة الواقع تكـــشف الكثير من العورات والاختلافات في نظامنا المسمى بالديموقراطي!

وفي ما يتخطى مشاعر «نشوة الانتصار» وصدمات الخيبة، يمكن تسجيل الآتي:

كان خطاب القسم الذي ألقاه العماد ميشال عون مجموعة عناوين عامة أو خريطة طريق سريعة لنهج الحكم الذي سيعتمده خلال فترة رئاسته.

والمهم، أن يكون اللبنانيون قد تعلموا الإفادة من عبر أزمات الماضي وما أكثرها، وعدم الإدمان على تكرار الأخطاء نفسها خلال السنوات المتتالية.

لقد أفرزت الانتخابات الرئاسية في لبنان وجود «صانع للرئيس» أو أكثر، وهؤلاء ينتظرون بطبيعة الحال المشاركة في طبخة الحكم والجلوس إلى مائدة مجموعة الحاكمين!

واستكمالاً لأجواء الوحدة الوطنية السائدة حالياً في لبنان، يجب على القيادة أن تتخذ بعض المواقف التي «تكبّر» دائرة التفاهم، ونحن نشير هنا الى «فخامة المرشح» السابق سليمان فرنجية، إذ لا يجوز أن تتحول العلاقة بين حليفين وثيقين الى هذا النزاع القائم. وصدر الرئيس العماد ميشال عون يتّسع لجميع اللبنانيين، وكذلك الزعيم سليمان فرنجية «الرئيس الآتي» ولو بعد حين الى سدة الرئاسة.

وإضـــافة الى ذلك، لا يجب إهمال عدد الأوراق البيضــاء التي أسقطت في صندوق الاقتـــراع، مع الإشارة الى التصرف المعيب الذي حــدث من حيث طرح بعض «الأسماء الكاريــكاتورية»، أو إضافة غلاف انتخابي، الأمر الذي أرغم الرئيس نبيه بري على إعادة الانتخاب أربع مرات متتالية.

المعارضة من حيث المبدأ مطلوبة في كل نظام ديموقراطي، لكن الأمر في لبنان يختلف عن سائر دول العالم، ويكفي لبنان واللبنانيين ما عانوه من صراعات بين الزعماء «المتقاتلين»، سياسياً مرات وعسكرياً مرات أخرى. لذا يتطلّع الجميع الى فترة من الهدوء الآتي الى لبنان من العام المقبل 2017 وما سيلي.

هل كانت هذه المقاربة في محلّها بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية؟ بل هي على سبيل الاستعارة والتشبيه حول الانتخابات الرئاسية؟

لندع أميركا مع «ترامبها» الجديد تعالج أزماتها… ولنركز على لبنان والتعاطي بجد وإخلاص وخفض نسبة خيبات الأمل التي عاشها لبنان خلال العقدين الأخيرين، حتى لا نذهب الى أبعد من ذلك.

وفي الكلام الأخير:

من المفارقات اللافتة، أن بعضاً من أنصار الحزب الجمهوري يحتج على انتخاب أحد أعضائه ويعلن رفضه التام القرارات والمواقف التي سيقدم عليها دونالد ترامب في الآتي من السنتين. ثم نطرح المقاربة التالية: كيف يمكن حماية أميركا من نفسها ومن آثار ارتدادات صانعي السياسة، بخاصة في عهد تلصق به التهمة باليمين المتطرف.

لقد مضى زمن اعتماد سياسة «اليمين الغبي»، وليكن اعتماد سياسة اليمين الذكي تفادياً للكثير من الويلات والخيبات التي عانى منها لبنان ولا يزال.