هناك مؤشرات واضحة ستدفع الطاقمَ السياسي الذي أبرم الصفقة في نهايات 2016 إلى خياراتٍ صعبة. وفي عبارة أوضح، تقف قوى 14 آذار المنخرِطة في الصفقة أمام تحدّياتٍ حاسمة. فالوقت يقترب لكي تقرِّر: هل تستمرّ في اللعبة أم تخرج منها؟
الجواب عن السؤال ليس سهلاً على الإطلاق. فالصفقة التي تمّ تركيبُها آنذاك كلّفت 14 آذار كثيراً من التنازلات حتى الآن، وهي استندت إلى توقّعات ومراهنات يكتشف الـ14 آذاريون أنها ليست في محلّها.
ربما لا يريد هؤلاء أن يتحمّلوا تبعاتِ تطيير الحكومة وزعزعة الاستقرار السياسي المطلوب دولياً. ولذلك يفضلون المماطلة في الردّ على مساعي «حزب الله» للإمساك بالسلطة وإعادة ربط لبنان الرسمي بموكب الأسد وطهران، لعلّ الوقت يتكفّل ببعض الحلول. لكنّ حجم الضغوط يبدو أكبر من المتوقَّع.
اليوم، تخرج منظومةٌ سياسيةٌ وإعلامية لتحمِّل البيئة السياسية والشعبية المحسوبة على تيار «المستقبل»، من أعلى المستويات إلى أدناها، مسؤوليات في ملفات التعاطي مع الإرهاب، ومنها استشهاد العسكريين الذين خطفتهم «داعش». وهذه الحملة ستتّخذ أشكالاً أقسى، وستكون لها تداعياتُها السياسية بالتأكيد. ويعتقد بعض المتابعين أنّ هذه الحملة ستضع الرئيس سعد الحريري في منطقة حسّاسة.
فكيف يتحمّل الاستمرار في الجوّ الوفاقي على طاولة مجلس الوزراء فيما الذين يجالسونه يشنّون على تياره، وأبرز أركانه، من وزراء حاليين وسابقين، ومن نواب وكوادر ومناصرين، حرباً شعواء يطلقون فيها الاتهامات بارتكاب تجاوزات خطرة جداً.
أوساط «المستقبل» صامتة إلى حدٍّ ما، حتى الآن، حرصاً على استمرار حدٍّ أدنى من التهدئة. لكنها تؤكّد أنّ هناك أموراً لن تسكت عنها، إذا جرى التمادي في الحملة. فهي ترفض أن تكون «كبشَ المحرقة» في النهاية، وستقول ما ستقوله، مهما كلّف ذلك من ثمن.
وبين الجدران الأربعة، تردّ الأوساط على الحملة بالقول: «فتِّشوا عمَّن تسبّب بمجيء «داعش» إلى لبنان، وعمّن استفاد منها محلّياً وإقليمياً. فبيئةُ «المستقبل» وسائر قوى 14 آذار بقيت دائماً الحاضنة الحقيقية للجيش اللبناني. وفي اللحظة المناسبة، يجب أن تُكشَف كل الأوراق في هذا الملف، بكاملها ومن دون استنسابيّة.
وأيّاً تكن الصورة، فإنّ ملفَّ «داعش» يبدو واحداً من مجموعة ملفّات ضاغطة ستهدّد التضامن المصطنع داخل الفريق السلطوي منذ نهايات 2016. والملف الأبرز هو: كيف ستواجه 14 آذار، داخل الحكومة، عملياتِ الربط القائمة على قدم وساق، وبسرعة قياسية، بين لبنان الرسمي وحكومة الرئيس بشّار الأسد؟
بعض المتابعين يطرح السؤال الآتي:
هل سيرفع «حزب الله» وحلفاؤه مستوى الضغط السياسي، في ملفات «داعش» والعسكريّين، إلى حدود تدفع الحريري وبيئته السياسية والشعبية إلى الإحراج، فيقوم «الحزب» بمقايضته عندئذٍ: نطوي هذا الملف ونرفع عنك الضغط والمسؤوليات شرط أن تمشي معنا في الطريق إلى الأسد؟
بعض هؤلاء المتابعين لا يرى مبرِّراً للحملة المبالغ فيها القائمة على البيئة «المستقبَلية»، سوى أنها ستُستخدَم ورقة ضغط على الحريري لتثميرها في ملفات أخرى. ويشير هؤلاء إلى حملات أخرى مواكبة، تستهدف رموزاً، كحاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة، يمكن وضعُها في السياق إياه.
والأرجح أنّ الـ14 آذاريين وصلوا إلى اللحظة التي سيتأكدون فيها من أنّ تجربة التعايش التي أبرموها مع خصومهم، ليست «ربّيحة» لهم. وصحيح أنّ المعارضة من خارج السلطة تبقى ضعيفة الفاعلية غالباً، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ الرضوخ للّعبة في الداخل له مفاعيل لا يُستهان بها، لأنه يقود إلى الاعتراف بالإكراه والبصم على ما يقرّره ذوو النفوذ.
الواضح أنّ «حزب الله» لن يتنازل عن سعيه إلى السيطرة الاستراتيجية على القرار السياسي في مجلس الوزراء. وفي المقابل، هو مستعدٌّ لترك الآخرين يتلهّون بالتفاصيل ويحصّلون ما أمكن من مكاسب متنوّعة. فـ»المستقبل» يتناغم مع «التيار الوطني الحرّ» داخل مجلس الوزراء حول الملفات التي تهمّ الطرفين والتعيينات، وهذا أمر لا يزعج «الحزب».
وفيما الحريري صامت، سيعبّر رفيقه في 14 آذار الدكتور سمير جعجع عن رأيه في بعض جوانب هذا الملف الساخن، في خطابه الأحد المقبل. لكنّ تململَ «القوات» من مسار السلطة يرتفع، سواءٌ بالنسبة إلى الأداء، أو بالنسبة إلى الفجوات المتزايدة في مفهوم السيادة، ودفع لبنان إلى المحور الإيراني – السوري. وأما الحريري فعمل حتى الآن على تغطية التركيبة السياسية القائمة. ولذلك، عمل على تغطية الصفقة التي جرت، بقيادة «حزب الله» لإنهاء حرب الجرود.
وجاءت تغريدة الوزير السعودي ثامر السبهان لتضع الحريري على المحك: «على اللبنانيين أن يقرّروا إذا كانوا مع «حزب الشيطان» أو ضده»! وسواءٌ عبّرت التغريدة عن موقف الرياض الرسمي أم لا، وسواءٌ كانت تصعيداً في الموقف السعودي أو مجرّد مناورة سياسية محدّدة الأهداف، فإنها ستترك أثرها على الحريري.
وفي المرحلة المقبلة، مع بلوغ الضغوط ذروتها، ماذا سيفعل الحريري؟ هل يستقيل ويُسقط الحكومة التي يحتاج إليها لتثبيت قدميه في السلطة وإدارة شؤون «المستقبل» على أبواب مواعيد انتخابية مفترَضة؟ أم يواصل الانتظار، لعلّ وعسى؟