Site icon IMLebanon

هل ثمة حسابات ضمنية لدى “حزب الله” جعلته يُقرر الذهاب إلى الحوار مع “المستقبل”؟

اما وقد بات الحوار المنتظر بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” مسألة أيام، لا سيما بعدما انجزت شكليات هذا الحوار وبرنامجه وأوجد كلا الطرفين مبرراته المعلنة على الاقل لتسويغ هذا الحوار امام قاعدته، فثمة من سمح لنفسه بالانطلاق في رحلة استشراف مبكر لآفاق المشهد الحواري المعول عليه ومقدماته وخلفياته غير المرئية، وبالتالي بدأ يبني على الشيء مقتضاه بشكل مبكر.

لعل اولى المقدمات ان الراعي والعراب الاساسي لهذا الحدث المفصلي هو رئيس مجلس النواب نبيه بري حصراً، وهذا يعني بشكل أو بآخر ان ظل الرعاية الذي بسطه البعض استهلالاً على المشهد اياه لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط قد تقلّص وانكمش الى حد الانعدام.

فعلى رغم ان الرئيس سعد الحريري قد تعمّد في اطلالته الاعلامية الاخيرة ان يجعل رعاية الحوار المنشود ثنائية، وعلى رغم ان رئيس مجلس النواب لمح الى هذا الأمر مراراً وسعى الى الزج باسم صديقه القديم في الصورة الا ان الطرف الآخر المعني مباشرة بهذا المشهد تقصّد ان يرسل اشارات توحي بأن زعيم المختارة بعيد كل البعد وان دوره في المسألة لا يتعدى المباركة والنصيحة.

والواضح أن التيار الأزرق شاء أن يكرر تجربة تبرير التشارك مع الحزب في حكومة الرئيس تمام سلام والتي سمّاها حينها “تجربة ربط النزاع” لا فض الاشتباك المزمن، وذلك من خلال التصريح والتلميح الى أن المراد الأساسي من وراء الدخول في هذه التجربة الحوارية هو حصراً خفض منسوب الاحتقان المذهبي والسياسي الطاغي على الساحة اللبنانية بغية حمايتها من ارتدادات المشهد المستعر في دول الاقليم، الأمر الذي فسّره البعض على أنه نوع من تقليص مبكر للآمال والرهانات على مآل هذا الحوار، بل ونعيه سلفاً، خصوصاً بعد الاعلان جهاراً عن تنحية الملفات الخلافية وأبرزها موضوع سلاح الحزب ومسألة انخراط مقاتليه في الميدان السوري المشتعل. ولـ”حزب الله” خطابه وتبريره الضمني لخطوة الذهاب الى الحوار مع تيار جعل كل همّه منذ نحو 8 أعوام تشويه صورة الحزب الى درجة شيطنته وجعله الوجه الآخر لتنظيم “داعش”. ولا يتصرف الحزب، وفق دوائر فيه، على أساس أن المقصود من المشهد الحواري المنتظر ان ينطلق قبل الأعياد أو بعدها بقليل على أبعد تقدير من عين التينة، هو الصورة فقط أو الحصول من الطرف الذي أعلى من خصومته له على براءة ذمة، فذلك على أهميته وبلاغته لا يسقط من حسابات الحزب الداخلية أهدافاً أخرى أبعد وأعمق تتصل بتطورات المرحلة ومجرياتها بعد بروز مشهد التطرف السنيّ الى الواجهة وصيرورته القضية التي ترتبط برؤية مستقبلية.

ولا تخفي دوائر في الحزب أنه بدأ منذ فترة مرحلة البحث الجدي في سبل مواجهة الارهاب والتطرف والغلو الذي بدأ يفعل فعله البالغ السلبية في عدد من أقطار المنطقة، وخرج باستنتاج أن أمر المواجهة لن يستقيم ويأخذ مداه ويؤتي أكله الا بجبهة مواجهة مضادة تشارك فيها بشكل رئيسي قوى وشخصيات وتيارات سنية، لا سيما بعدما خرج “الاخوان المسلمون” من المشهد وبدوا في حال ضياع، أو على الأقل انهم ليسوا جادين في مواجهة التطرف بنسخه الكربونية المتعدّدة. وعليه لم تكن مبادرة الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله اللافتة ليلة التاسع من محرم بالاشادة باشتراك “تيار المستقبل” في تغطية الجيش في الشمال في رحلة منازلته ومقارعته لقوى الارهاب، سوى جزء من هذا التوجه القاضي بدعم أي فعل يعبّر عن استعداد التيار للانضمام الى اشكال جبه التطرف الجامح.

من هنا استشعر الحزب ان ثمة ردّة فعل سنية عارمة تستعد للنهوض في وجه فورة التطرف المنفلتة من عقالها، وهو نظر بارتياح شديد الى فعاليات مؤتمر مواجهة الارهاب الذي دعا اليه الأزهر في القاهرة أخيراً، انطلاقاً من أمرين: الأول، العدد الكبير من المشاركين فيه، والثاني دعوة فعاليات غير سنية اليه، فكان بذلك أول فعل سني يكتسب شرعية كبرى يدحض ممارسات الارهاب ويرميها بالحرم مما عدّه الحزب بداية واعدة لها أفق ولها مستقبل.

وعليه ثمة من يرى ان مسارعة الحزب الى تلقف الدعوة الى الحوار مع التيار الأزرق وردّه على التحية بأحسن منها، تصب في خانة دعم التوجه العام الذي أخذ على عاتقه مهمة الوقوف الجدي في وجه الارهاب وتعريته من اي غطاء طائفي أو مذهبي. والأمر ينطبق على الحالة في لبنان، فالارهاب كما هو معلوم قرر أن يكون له في هذا البلد رؤوس جسور في الداخل ووجود على الحدود، واذا كانت الجهود التي بذلها الجيش قد افلحت حتى الساعة في توجيه ضربات له في أكثر من موقع، فهذا لا يعني أن هذا الارهاب قرر الانكفاء وبدأ رحلة التراجع الى الوراء، اذ انه لا يزال يشكل خطراً قائماً على الوضع العام ويبعث برسائل يومية فحواها اننا ماضون قدماً لتحقيق ما بدأناه في 2 آب الماضي.

ويضاف الى ذلك أمر آخر هو أن طرفي الحوار المنتظرما كانا ليذهبا طواعية الى هذا الحوار لو لم يكونا قد أمنا لهما ممرات ومعابر اقليمية تغطيهما بصرف النظر عن النتائج المأمولة من هذا الحوار وبغض الطرف عن حجم الآمال والرهانات المعقودة عليه. واذا ما انتفت لدى البعض فرضية الثمار العاجلة للحوار المنتظر نظراً الى المناخات التي برزت عشية الحوار وتأجيل البحث في الملفات الخلافية ومنها ملف الرئاسة الأولى الشاغرة، فان هناك من يرى ان الطرفين انما يراهنان ضمناً على شيء ما او تطور معين قد يستجد بين عشية وضحاها على المستوى الاقليمي، لا سيما ان هناك من يرى ان الجميع بلا استثناء قد ولج منذ فترة مرحلة اعادة النظر بكل خياراته وأوراقه وحساباته بعد مضي ما يقرب من 4 أعوام على اشتعال فتيل الاحداث في الساحة السورية. وهكذا يتبدى جلياً أن “حزب الله” يهيئ نفسه لدخول طاولة الحوار مع “تيار المستقبل” ولديه رغبة ضمنية أكيدة في أن يتخطى الحوار الصورة كما يراهن البعض.