Site icon IMLebanon

هل من مواجهة إسرائيلية ـ إيرانية؟

 

 

توحي التهديدات الإسرائيلية ـ الإيرانية المتبادَلة باحتمال وقوع المواجهة بينهما في لبنان وفي سوريا على رغم أنّ كل التقارير الديبلوماسية المتداوَلة تستبعدها. فإيران لم تعترف بامتلاك قواعد في سوريا لمجرد وجود خبراء ومستشارين، لكنها تدّعي بحجم قدراتها في لبنان. وطالما أنّ الطرفين وحّدا الساحتين فإنّ خطر المواجهة قائم عليهما. فإلى أيّ مدى تصحّ هذه المعادلة؟ وما هي كلفتها؟

 

تفصل التقارير الديبلوماسية والإستخبارية بين موجة التهديدات العلنية المتبادَلة بين طهران وتل ابيب التي انخرط فيها المسؤولون السياسيون والعسكريون الكبار من الطرفين، وبين مضمون الرسائل المتبادَلة غير المباشرة بينهما عبر عدد من العواصم الكبرى التي تتعاطى بقضايا المنطقة ولا سيما منها المتصلة بالأزمة السورية وتفاعلاتها الإقليمية والدولية.

 

فكل التقارير تشير الى مفاوضات عميقة تجري بين اصدقاءٍ لكلٍّ من تل أبيب وطهران من ضمن مفاوضات أشمل يشارك فيها المسؤولون الكبار في اكثر من دولة لإيجاد حلٍّ سياسي للأزمة السورية قبل أن يتعب الجميع من كلفة الحروب بشرياً وعسكرياً وإقتصادياً فيأتون جماعة لا فُرادى الى طاولة المفاوضات منهكين ومتعبين.

 

وعلى رغم أنّ لكل من الأطراف أسبابه الداخلية، وخصوصاً إيران واسرائيل اللتين تقودهما هذه الاسباب الى المفاوضات على وقع اطلاق التهديدات، فإنّ ما بلغته لغة التخاطب تشي بإمكان حصول أيّ خطأ يمكن أن يُشعِل حرباً محدودة وغير شاملة شبيهة بتلك الجارية حالياً، والتي تكرّسها الغارات الإسرائيلية المتقطعة على المواقع الإيرانية وحلفائها في سوريا من دون إخفاء أو تجاهل خطورة اطلاق الصاروخ الإيراني الذي كان يحمل رأساً زنته 500 كيلوغرام من المتفجرات من الأراضي السورية في اتجاه الجولان، والذي اعلنت اسرائيل أنها دمّرته قبل وصوله الى الهدف المقصود.

 

وفي التقارير الديبلوماسية أيضاً حديث مفصّل عن رواية اطلاق الصاروخ الإيراني، فهو عبّر عن وجود قرار إيراني حديث ومتقدّم بإحتمال الرد على الغارات الإسرائيلية بخطوة من هذا النوع على رغم المحاذير الخطيرة التي يمكن أن يقود اليها ولن تسمح القوى الدولية الكبرى بحصوله في المديَين القريب والمتوسط ليس خدمة للسلام في المنطقة الذي يطالب به الجميع كل من منظاره، بل لأنّ التوقيت الحالي لا يسمح بانفجار الوضع في المنطقة لألف سبب وسبب.

 

وتلفت التقارير الديبلوماسية الى انّ إسرائيل توقفت عن غاراتها منذ تجربة الصاروخ الإيراني ليس خوفاً من تكرارالعملية، بل لأنها وضعت الحادثة في خانة خرقه التفاهم الروسي ـ الإسرائيلي على منع وجود قواعد إيرانية ضمن عمق المنطقة الذي حدّد بـ 85 كيلومتراً من حدود الجولان المحتل في وقت سابق، وفي انتظار توضيحٍ روسي يسبق إستئنافَ الغارات التي لا يملك أحد ايّ موعد لها سوى تل ابيب منعاً لتمكين ايران وحلفائها من الإستقرار في ايّ موقع جنوب سوريا ووسطها على الأقل في المرحلة الراهنة.

 

وتضيف هذه التقارير انّ تل ابيب تفكر ملياً قبل تنفيذ أيّ عملية عسكرية أوسع من عمليات «القنص الطائر» التي تمارسها طائراتها الحربية المتطورة في سوريا، وهي لا تشمل الأراضي اللبنانية في هذه المرحلة على قاعدة التصدي لمصادر الخطر الكبرى على اسرائيل والتي حدّدها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومصدرها الفعلي بتقديره هو المنطقة الشرقية لحدودها الممتدة من سوريا الى عمق العراق والتي زادت من مخاطرها النية الأميركية بالإنسحاب من سوريا، ما قد يؤدي الى تعزيزالمخاوف الإسرائيلية من توفير منفذ لإيران يسهّل لها الحركة اللوجستية والعسكرية ما بين بغداد وبيروت عبر دمشق ما لم يضمن الأميركيون إقفال هذا «الأوتوستراد» الذي تجهد طهران لبنائه منذ بداية الحرب السورية وقبل التدخّل الأميركي المباشر فيها وإقفاله من قاعدتيها في التنف وشمال ـ شرق سوريا.

 

ولا تغفل التقارير الإشارة الى التطمينات الدولية لمنع القيام بأيّ عمل عسكري على الساحة اللبنانية ومنها التحذير الفرنسي الذي لا يمكن للنفي الصادر عن باريس أن يلغي وجوده، وخصوصاً أنه تمّ ربطُه بتأليف الحكومة اللبنانية الجديدة. ففي إقتناع الفرنسيين أنّ أيَّ عمل قبل تأليف هذه الحكومة يعني تسليم البلد لـ«صاحب القرار بالحرب والسلم» أي «حزب الله» ومن خلفه طهران، ومنعاً لتعقيد المفاوضات الجارية معها على وقع العقوبات الأميركية المفروضة وتلك التي أحرجت الأوروبيين أكثر من المسؤولين الإيرانيين في هذه المرحلة تزامناً مع تمسّك البعض منهم بحجم العلاقات التي بُنيت مع طهران خلافاً للتوجّهات الأميركية المتشددة، وقبل الغاء اعترافها بالتفاهم النووي بين إيران ومجموعة الدول (5 +1).

 

وتنفي التقارير الديبلوماسية أن تكون بعض التصريحات الإيرانية ولا سيما منها تلك التي أطلقها بعض القادة العسكريين عن «استعجال تدمير اسرائيل»، موقفاً إيرانياً ثابتاً على رغم قيمته المعنوية في عقيدة الدولة الإسلامية في إيران.

 

وهي تبني في نظرتها الحاسمة على الديبلوماسية الإيرانية الهادئة التي تقيس مواقفها مع الغرب بلغة اكثر طراوة قبيل مؤتمر بولندا المقرّر في 13 و14 شباط المقبل على امل التغيير في وجهته وأهدافه المعلنة بضغوط اوروبية بدات تؤتى ثمارها ولو بنحو محدود.

 

وبعيداً عمّا يقال عن المفاوضات الجارية والمشاريع المتبادَلة تجزم التقارير أنّ المواجهة الإسرائيلية ـ الإيرانية في لبنان غير واردة، اما في سوريا فكلام آخر، فالأمور هناك مرهونة بالخطوات الإسرائيلية المقبلة وبما تسمح به التفاهمات مع الروس من جهة والأميركيين من جهة أخرى، طالما أنّ أوان التفاهم الأميركي – الروسي على ما يمكن أن تشهده سوريا والمنطقة قريباً ما زال بعيدَ المنال.