Site icon IMLebanon

هل هناك من سيَسبق سلام إلى الاستقالة؟

إذا صحَّت نظرية أنّ استقالة الحكومة خطوة انتحارية بكلّ المعايير، في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، فهناك من يعتقد أنّ بلوغ الحكومة مرحلة إصدار القرارات الخطيرة التي تسيء إلى لبنان ومصالح اللبنانيين يسقط أهمّية التمسّك بها وصولاً إلى اعتبار أنّ دخولها مجالَ تصريف الأعمال المحدود ليس جريمةً لتجنّب مزيد من الأخطاء. كيف السبيل إلى هذه القراءة والأسباب الموجبة لها؟

بمعزل عمّا يمكن أن تُنتجه هيئة الحوار الوطني على مستوى ملف النفايات تلبيةً لدعوة رئيس الحكومة تمام سلام ولقطعِ الطريق على التهديد بالاستقالة أو تجميد العمل الحكومي ما لم تُنجز الحكومة ملف المطامر لتنطلق خطتُها المرحلية للنفايات في انتظار البتّ بالخطوات اللاحقة لمعالجة النفايات بشكل مستدام.

فقد تزامنَت المساعي التي بُذلت استثنائياً في الأيام الماضية من أجل إنقاذ الحكومة مع بحث جدّي في بعض الأندية الحزبية عن احتمال الإقدام على قرار الاستقالة من الحكومة التي تحوّلت بنظرهم حكومةً فاشلة، بدأت تنتج قرارات تعطيلية تسيء إلى الحياة السياسية ومصالح لبنان واللبنانيين.

ينطلق أصحاب هذه النظرية من القول إنّ التغاضي عن مآسي الحكومة وفشلِها في إنهاء أيّ من الملفات المفتوحة كان له ما يبرّره في المرحلة الأولى، وخصوصاً عند الربط بين ما تقوم به ولو بالحدّ الأدنى الذي يَطمح إليه اللبنانيون واستمرار تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، ما حوَّلها المرجعية الدستورية الوحيدة في البلاد التي لا يمكن الاستغناء عنها.

ويضيف هؤلاء: لقد نجَحت الحكومة في بداية مرحلة الشغور الرئاسي بإقفال ملفّات كثيرة حيوية، فأنجَزت التعيينات الإدارية في ما يقارب 30 موقعاً من الفئة الأولى ووضَعت بعض الملفات الأساسية والحيوية على نار حامية قبل أن تتجمّد مهمّتُها بقدرة قادر.

فدخَلت نفقَ التعطيل لفترات طويلة، تارةً أثناء البحث عن الجهة الصالحة لوضع جدول الأعمال وحول التعيينات العسكرية، وتارةً أخرى جرّاء الخلاف على الصلاحيات الدستورية ومدى قدرتها على ممارسة مهام رئيس الجمهورية، وسط نقاش في شأن بعض الصلاحيات الشخصية للرئيس والتي لا يمكن تجييرها لها، إلى ما هنالك من ملفات خلافية حاولَ رئيس الحكومة تجنّبَها، فنجَح في بعض الحالات وفشلَ في أخرى.

وهكذا، يضيف أصحاب هذه النظرية: دخلت الحكومة مرحلة التعثّر وغابَت لقاءاتها الدورية إلى أن تحوّلت الدعوة إلى اجتماع لها مهمّةً شاقّة جنّدت لها كلّ القدرات السياسية المتوافرة وخصّصت هيئة الحوار الوطني اجتماعات عدة لمدّها بالأمصال السياسية بغية تفعيل عملِها وإحياء اجتماعاتها أيّاً كانت الكِلفة الدستورية.

فكرّسَت الحلول السياسية أعرافاً وتقاليدَ لم يَعرفها لبنان سابقاً، باعتبار أنّ التجربة التي تعيشها لم تَشهدها البلاد من قبل وليس هناك أيّ نصوص دستورية لمعالجة الحالات العجيبة والغريبة التي مرّت بها لا في الشكل ولا في المضمون.

ويَلفت أصحاب هذه النظرية إلى عملية «الترقيع» التي عاشتها الحكومة وعدم قدرتها على طيّ أيّ مِن الملفات الحيوية المفتوحة، ولا سيّما على مستوى أزمة النفايات التي تَحكّمت بها الصفقاتُ وأعمال التزوير التي عطّلت عملية الترحيل بعد فشلها في التفاهم على توفير المطامر الأساسية التي يمكن استخدامها في الفترة الانتقالية قبل الوصول إلى مرحلة المعالجة المستدامة.

وما زاد الطين بلّة أنّ الخلاف في ترجمة السياسة الخارجية للبنان والتي قادتها قوى «8 آذار» وحلفاؤها أدّى إلى الدركِ الأسوأ في العلاقات التي يمكن أن تكون بين لبنان

ودول مجلس التعاون الخليجي والسعودية تحديداً، بعدما تفجّرَ الخلاف بين المملكة و»حزب الله» الذي عدَّته الذراعَ الإيرانية في المنطقة نتيجة تدخّلِه في الأزمات المنتشرة من اليمن الى العراق وسوريا بعد البحرين، فانعكسَ الخلاف على عمل الحكومة وتفجّرَت الأزمات واحدةً تلوَ الأخرى، وفَقد الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى الهبة السعودية بملياراتها الأربعة وهما في أسوأ مواجهة مع المجموعات التكفيرية، بالإضافة إلى المخاطر التي باتت تهدّد لقمة عيش آلاف اللبنانيين العاملين في الخليج.

وبناءً على ما تقدّم، ترى الجهات التي تَبحث في إمكان تجميد عضوية وزرائها في الحكومة، أنّ ما عكسَه الشَلل الحكومي بات يشكّل خطراً داهماً على التركيبة اللبنانية، ولم تعُد تقتصر أضراره على بعض القطاعات. فإعادةُ البحث في سياسة المطامر وتجديد العقود مع «سوكلين» بعد ثمانية أشهر من الأزمة البيئية والصحية الخطيرة يدلّل إلى تَحوّل الحكومة من مرحلة الشَلل إلى مرحلة تهديد المصلحة اللبنانية العليا وتحوّلِها مصدرَ قلقِ جدّياً.

وفي الإشارة إلى الخطوات العملية تجدر الإشارة إلى أنّ هذه القضايا مطروحة على القيادة الكتائبية ولدى بعض الوزراء المستقلين الذين يفكّرون في سُبل المواجهة وتجنيب البلاد مزيداً من المخاطر البيئية والسياسية والاقتصادية، ويتّجهون إلى تجميد عضويتهم في الحكومة لوقفِ الضَرر اللاحق باللبنانيين والسعي إلى ممارسة كلّ الضغوط للإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية الذي سيكشل انتخابه أقصرَ الطرق وأقوى الأدوات التي تقفِل كلّ هذه الملفات لتنطلقَ الدولة معه في إعادة انتظام العلاقات بين المؤسسات الدستورية.