«هزتكم الإشاعات؟ لما ودعتوا اليأس… لفحتكم ريح الشمس صارت إيديكم تبني وتعمّر فرح معاولكم بالأرض بشّرهم بهدم براجن حبّوا يردّوكم على اليأس لا تخافوا… ما في حبوس تساع كل الناس بيعتقلوا كتير وبيبقى كتير باللي بيبقوا راح منكمل». (جبال الصوان)
في مسرحية جبال الصوان للرحابنة، «فاتك المتسلط» انتصر على الناس الآمنين بإزهاق دماء أتباعه وخصومه على حد سواء في سبيل مجده الشخصي كقائد وزعيم، لكنه أدرك بأن «غربة» الشابة، ابنة شهيد جبال الصوان الذي قتله المتسلط، تمكنت من تقويض أسطورته كقائد لا رد لقدراته بمجرد أنها شجعت الناس على حب الحياة والفرح والعمل وأصبحت قاب قوسين من الانتصار عليه.
خرج هنا أصحاب الدسائس التابعين للمتسلط لينشروا الشائعات: هولو هرّب غربة وخيانة «عبدو» ومقتل «نعوم الهبيلة»، وكان نعوم نفسه يردد مع الجموع خبر مقتله.
عندها استفاق الأهالي وقالوا لنعوم الذي يندب نفسه «ما إنت نعوم!»
فأجاب: «هيك سمعت قلت يمكن قتلوني»!
الواقع هو أن نعوم لم يكن «هبيلة»، بل كان ككل المناضلين الصادقين، يدخل في مرحلة مساءلة وشك في حقائق الأمور من كثرة الدسائس والإشاعات، فيعود ويختار الطريق الصواب ويصحح الأخطاء.
هذه بالفعل سمة المناضلين أصحاب الرؤى الإنسانية المتحررين من عقدة القائد الملهم، ومن لا يتبعون عقيدة عمياء جامدة، وهذا ما يفرقهم عن الأتباع المأجورين أو المنومين مغناطيسياً تحت عباءة القائد، أو المأخوذين بأوهام وعقائد وأساطير عن النصر أو عن ملائكة تخصّهم بالحماية من دون غيرهم.
أتت أزمة النفايات الأخيرة التي طغت على كل ما عداها من مصائب وهموم تحولت إلى جرح مزمن وصارت كالرفيق الذي لا نشعر بوجوده، لأنه ببساطة موجود دائماً.
يعني ببساطة أنستنا رائحة الزبالة الدماء التي يزهقها «حزب الله» في سوريا، وعشرات الشبان الذين يعودون ملفوفين بالعلم الأصفر المعرّق بالدماء هدايا لأمهاتهم وأخوتهم وأبنائهم.
أنستنا هذه الرائحة أن سبب الأزمة الحالية هو التعطيل الدائم الذي فرضه «حزب الله» والنائب ميشال عون على منظومة الدولة، العرجاء أصلاً، وأصبحت مشلولة بجهودهما.
أنستنا رائحة الزبالة فضائح «حزب الله» وأتباعه في تهريب المخدرات وصناعة «الكبتاغون» والغش في الدواء والتهرب من الضرائب والجمارك والتعدي على شبكات التواصل وتبييض الأموال، والأهم تخريب الأمن والاقتصاد وتسميم عقول البشر وهدم الحجر وتحويل الظالم إلى مجاهد، والضحايا إلى تكفيريين.
أنستنا رائحة الزبالة بأن هيبة الدولة هي أساس قدرتها على حل المشكلات الملحّة والمزمنة معاً، وأن لا دولة من دون سلطة، وأن أساس السلطة هو حصرية استعمال العنف الشرعي وامتلاك السلاح وقرار الحرب والسلم، وسلطتها تعتمد على عدم وجود منظومات مسلحة مثل «حزب الله» تنافسها وتضرب مصداقيتها.
وأنستنا رائحة الزبالة لائحة شهداء الاستقلال الثاني ونضال حركة آذار.
أنستنا رائحة الزبالة كل ذلك وأدخلتنا في دائرة الشك والكفر أحياناً، حتى في أصدق وأنبل مقاصدنا وشعاراتنا. كل ذلك لأننا بشر مثل «نعوم»، نحزن ونفرح، نيأس ونأمل، من دون استشارة كتاب العقيدة ومن دون أوامر القائد الملهم، مشاعرنا وضمائرنا هي وحدها الحكم، فنحن فقط مواطنون أحرار.
لقد أتت أزمة الزبالة اليوم كهبة من السماء لتجار الدم والفساد في حزب الله.
يحق لنا، لا بل من واجبنا أن نسأل قادتنا ونحاسبهم، ولكن الحقيقة يجب ألا تغيب عنا، فنحن نناضل لأجل الاستقرار والحرية ولأجل دولة ذات سيادة يمكن أن نحاسب قادتها بالديموقراطية، في مواجهة تجار الدم والفوضى.
() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»