Site icon IMLebanon

هل في البلد قبطان واحد..؟

 

هل صحيح أن كل الأطراف السياسية متواجدة في سفينة واحدة؟

 

ومن قال أن سفينة الحكم في لبنان لها قبطان واحد؟

 

وكيف يمكن لسفينة متعددة القيادات، أن تعبر بسلام أمواج ورياح العاصفة العاتية، وبحارتها منشغلون بصراعاتهم وخلافاتهم على إقتسام ما تبقى من حمولة سفينتهم المهددة بالغرق؟

 

بهذه الكلمات رسم ديبلوماسي غربي صورة الواقع اللبناني المتردي، والذي يزداد تفاقماً يوماً بعد يوم، بسبب حالة الضياع والتردد السائدة في أوساط أهل القرار، فضلاً عن الخلافات المستمرة بينهم. والتي ما أن تخبو، حتى تشتعل من جديد، وتنسف التفاهمات التي يتم التوصل إليها في اللقاءات الليلية، والتي سرعان ما يتبخر مفعولها مع بزوغ فجر النهار!

 

لم يعد خافياً على أحد حجم الهوة التي تُباعد بين مواقف أهل السلطة من الملفات الأساسية المطروحة، والتي تسببت بكل هذا التأزم في الوضعين الإقتصادي والمالي، في ظل غياب الرؤية الواحدة والخطة الواحدة والمشروع الواحد للتصدي للمشاكل التي زادت تعقيداً في الفترة الأخيرة، وأصبحت مستعصية على الحلول دون هذه الكلفة الباهظة التي تتحملها البلاد والعباد، من خلال مسلسل الإضرابات المفتعلة في القطاعات الحيوية مثل البنزين والخبز والأدوية، والتأخير المستمر في إتخاذ القرارات الضرورية والحاسمة.

 

ولعل أطرف ما في تركيبة هذه السلطة، أن بعض أطرافها ينادون ليل ونهار بإستقالة هذه الحكومة، على إعتبار أنها لم تفشل في وقف التدهور وحسب، بل زادت الأزمات تأزماً، مع إستمرار حالات التسيب، وعدم القدرة على تحقيق أية خطوة إصلاحية على طريق مكافحة الفساد، والحد من الهدر والصفقات الملتبسة.

 

وراح فريق العهد أبعد من ذلك، مع إطلاق شعار «قلب الطاولة»، مع كل ما يعني مثل هذا الكلام من تصعيد وتعقيد للوضع المتردي أصلاً، والذي يتطلب الكثير من التعقل والتبصر في البحث عن المخارج المناسبة لمغادرة النفق الحالي، بالتعاون بين مختلف الأطراف السياسية، بعيداً عن محاولات التحجيم لهذا الطرف أو ذاك، وبمنأى عن أساليب الإستفزاز والتفرد بإتخاذ القرارات المصيرية، وكأن الهدف هو إلغاء الآخر، أو على الأقل تهميش دوره في الشراكة الوطنية.

 

هذا الواقع المرير الذي يتخبط فيه لبنان في السنوات الأخيرة، أصبح يشكل حائلاً دون وصول المساعدات المالية من الأشقاء والأصدقاء، الذين فقدوا الثقة بقدرة أهل الحل والربط على إدارة أزماتهم بطريقة تؤمن الخروج السلس من دوامة العجز الحالية، بأسرع وقت ممكن، وبأقل قدر من الخسائر.

 

وعلى ضوء هذا الواقع، أصبح الكلام عن مليارات مؤتمر سيدر، ودعم الإشقاء العرب الخليجيين، مجرد تمنيات لا تمت إلى الحقيقة والواقع بصلة، وهدفها تخدير آلام اللبنانيين التي يُعانونها تحت وطأة الضائقة المعيشية، التي تضغط على صدور الأكثرية الساحقة من المواطنين الغلابى، بعدما إرتفعت أرقام البطالة إلى مستويات غير مسبوقة وتجاوزت ثلث الشعب اللبناني.

 

وبرز عجز الدولة عند إندلاع أزمة الدولار، حيث تبين أن لا حول ولا قوة على الحد من التردي في قيمة الليرة، وإنتقل الأمر إلى السوق السوداء، التي أصبحت تحدد السعر الفعلي للدولار، بحجة الخضوع لسياسة العرض والطلب، مما يعني أن لبنان فقد أهم ميزات نظام إقتصاده الحر، بنشوء السوق الموازية للسعر الرسمي للدولار، وذلك ما لم يحصل حتى في أيام الحرب البغيضة.

 

وعوض أن يحل تدبير البنك المركزي إشكالية شح الدولار في المصارف، ويحد من ظهور السوق السوداء، توالت إشكالات تنفيذ هذا التدبير، حتى في القطاعات الحيوية التي حدد توفير الدولارات لها، وتركزت موجة الإضرابات في قطاعات البنزين والأفران، حتى الآن، ولاحقاً قطاع الأدوية.

 

الواقع أن إستمرار واقع السعرين للدولار، من شأنه أن يُحوّل تسهيلات المصرف المركزي إلى نوع من الدعم في دولة شبه مفلسة، لمشتريات البنزين والقمح والأدوية، ويفتح شهية قطاعات أخرى للمطالبة بالمعاملة بالمثل، والحصول على العملة الخضراء لمستورداتهم بالسعر الرسمي، عوض شراء الدولار من مؤسسات الصرافين، وبفارق لا يقل عن سبعة بالمئة حتى الآن!

 

كيف سيخرج البلد من الأزمة المتفاقمة مالياً ومعيشياً؟

 

وهل يستطيع الخروج من هذه العاصفة الإقتصادية مع إستمرار رياح الخلافات التي تضرب علاقات أهل الحكم، وتعطل آلية إتخاذ القرارات الناجعة؟