ليس قليلاً ما يوحي ان الحرب على داعش دخلت مرحلة جديدة. فهي صارت محل اجماع بحيث تبدو كأنها نوع من أمر اليوم الاقليمي والدولي. وكل لقاء في أية عاصمة ينتهي الى اعلان الاتفاق على محاربة داعش، بصرف النظر عن اختلاف المواقف من أمور أخرى بعضها عوامل مهمة في الحرب. لكن السؤال هو: هل دقّت بالفعل ساعة الانتقال الى أعلى مراحل الحرب، وهي القضاء على دولة الخلافة الداعشية؟ الى أي حدّ يمكن الركون الى الانطباع السائد ان داعش يضرب ارهابياً في أوروبا وأميركا ليحمي رأسه في الرقة والموصل بالتخويف من أن إخراجه من جغرافية الدولة سيؤدي الى تصعيد العنف على خارطة العالم كله؟ ثم ماذا عن الحسابات الجيوسياسية الى جانب الحسابات العسكرية والأمنية وحدها في القضاء على داعش؟
الأرقام تتكلم، ولكن. الجنرال شون ماكفارلاند قائد الحملة الأميركية على داعش يتحدث عن مقتل ٤٥ ألف جهادي من داعش خلال سنتين من الحملة، ٢٥ ألفاً منهم في الشهور ال ١١ الأخيرة، وان الباقي لدى التنظيم السلفي يراوح بين ١٥ و٣٥ ألف مقاتل. فضلاً عن خسارة ٢٥ ألف كيلومتر مربع. واذا أخذنا بالأرقام التي وردت في بيانات دمشق وطهران وموسكو، فان الرقم يصبح أكبر بكثير. وليس لدى داعش جيش الصين. والمؤكد ان جزءاً من قوة داعش هو اللامصلحة في إنهائه.
والزعماء يتكلمون، ولكن الرئيس أردوغان المتهم من روسيا وسوريا وايران بدعم داعش وعدد من التنظيمات الارهابية يتفق مع الرئيس فلاديمير بوتين على محاربة داعش. لا بل يدعو روسيا بلسان وزير الخارجية جاويش أوغلو الى المشاركة في القضاء على داعش في أقرب فرصة. وينتقد المتحدث باسمه ابراهيم كالين الاستراتيجية الأميركية العاجزة عن حلّ مشكلة الارهاب، قائلاً ان ما يغذي داعش هو استمرار النظام، ولذلك فان تجاهل النظام والتركيز فقط على داعش استراتيجية خاطئة. والمفارقة ان هذا ما يقوله الرئيس باراك أوباما الذي أعلن مؤخراً ان القضاء على داعش مرتبط بالقضاء على نظام الأسد الديكتاتوري. والمفارقة الأكبر ان أوباما لا يثق ببوتين والعكس صحيح، وأردوغان يثق به مع أنه يحمي النظام ويحذر من فوضى ما بعد ضربه كما حدث في ليبيا.
وتفسير ذلك واحد من أمرين: إما ان الموقف الأميركي المعلن كاذب واما ان الموقف الروسي غامض. والمؤكد ان تحضير البديل من داعش، أي من يمسك بالأرض بعد اخراجه منها، هو العامل المهم في حسابات القضاء على دولة الخلافة الداعشية.