«لقاء الجمهورية» ينضج: الحقوق أهم من الصراع
هل يترجم جعجع إسقاط «الفيتوات».. بانتخاب عون؟
لا فرق إن عُقد اللقاء بين ميشال عون وسمير جعجع الآن أو بعد حين. توقيت اللقاء ليس أولوية بالنسبة للطرفين، وإن كانت مصادرهما تؤكد أنه لم يعد بعيداً. الأكيد أن العلاقة بين الحزبين تعيش أفضل أيامها منذ ثلاثين عاماً.
ليس سهلاً ما يُبنى وليس عابراً. الخيار الاستراتيجي للطرفَين عبّر عنه جعجع في مؤتمره الأخير بوضوح: «آن للمسيحيين أن يرتاحوا». إذًا ما يعمل على إنضاجه ليس ترسيمَ حدود بين متخاصمَين، ولا سعيًا لتقاسم الجبنة. القرار يقضي بطي صفحة الخلاف.. وإن بقي الاختلاف، خاصة أن الطرفَين صارا على قناعة بأن استمرار الصدام بينهما يمنع أي فرصة لتحسين وضع المسيحيين في الدولة. وعليه، فإن عين المتحاورين تتركز على إسقاط «الشماعة» التي يواجَهون بها عند كل استحقاق («فليتفقِ المسيحيون أولاً»)، والتي تكون مقدمة، عادة، للتعدي على حقوقهم، كما تقول مصادر «التيار».
قبل الخوض في عمق المحادثات القائمة التي يرفض الطرفان تسميتها بالمفاوضات، يمكن حصر أربع نقاط شكلية تم التوافق بشأنها: الأولوية للمصلحة المسيحية على المصالحة الثنائية، استعداد كامل للمصارحة وعدم الخبث أو اللعب على الكلام في أي ملف، تحسين آداب المخاطبة وقد بدأ تنفيذها حسب ما أظهر عون وجعجع في إطلالتيهما الإعلامية الأخيرة، وأخيراً الالتزام بأن لا يتحول عدم الاتفاق إلى خلاف.
حافلة واحدة تسير بعون وجعجع، ويقودها معاوناهما النائب ابراهيم كنعان وملحم رياشي بحنكة حتى الآن. النتائج الإيجابية صارت عديدة. وبعد إسقاط الدعاوى المتبادلة، سمع الجميع عون يقول إن «لا عودة إلى الوراء مع القوات»، كما سمعوا جعجع يقول: «نحن جديّون حتى النهاية في هذا الحوار»، ليرسما معاً مساراً ثابتاً عنوانه «الجمهورية أولاً».
ملف «الجمهورية» سيقود حكماً إلى ملف «الرئاسة». وإذا ما استمر مفعول إسقاط الفيتوات المتبادلة، يصبح مشروعاً السؤال: هل يمكن أن ينتخب جعجع عون رئيساً، خاصة انه يعلن أنه غير متمسك بالموقع الأول؟ ليست الإجابة سهلة، لكنها حكماً ستأتي بعد أن ينجز الطرفان المرحلة الأولى من محادثاتهما. تلك المرحلة المتعلقة بمسببات الخلل في الجمهورية، ستتوج باللقاء المنتظر بين الزعيمَين، على أن يتم الانتقال بعدها إلى مرحلة النتائج، وفي قلبها مسألة رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب..
إلى ذلك الحين، صار محسوماً أن جدول الأعمال سيطال، بحسب الخلاصات التي يعمل على إنضاجها، ستة بنود رئيسية تتفرع منها مجموعة من العناوين التي تصب كلها في سياق الوصول إلى قراءة واحدة لدور المسيحيين في السلطة ومعالجة مسببات الخلل في الجمهورية.
أما هذه البنود، فهي:
– التعامل مع الاستحقاق الرئاسي وفقاً لاتفاق الطائف: وقد اتفق الطرفان في خلاصاتهما أنه خلال العشرين سنة الماضية طال الخلل موقع الرئاسة لناحية التمثيل، ولكن لا يزال العمل قائماً على الوصول إلى خلاصة مشتركة في كيفية معالجة هذا الخلل. هل يكون بمرشح قوي أو من خلال الاتفاق على مرشح، علماً أن التجربة السابقة، خاصة مع الرئيس ميشال سليمان، تثبت، على الأقل بالنسبة لـ «لتيار»، أن الرئاسة التوافقية فشلت في تعزيز التوازن والشراكة.
– قانون الانتخاب: يبدأ النقاش في هذا البند، من خلال السؤال التالي: هل القوانين الانتخابية مطابقة لوثيقة الوفاق الوطني والدستور والمعايير الديموقراطية التي يقوم عليها المجتمع التعددي والسياسي في لبنان، أم أن التوازن يشوبه خلل كبير لم تتم معالجته بالرغم من كل الوعود التي قدمت من الشركاء منذ الطائف؟ وفي هذا المجال، من المفترض أن يصل الطرفان إلى تفسير موحد للمناصفة. هل هي عددية، كما يعتبر البعض، أم تتعلق بفعالية التمثيل؟ وبعد أن يتم الاتفاق على توصيف الخلل، سينتقل الطرفان إلى البحث في سبل تصحيحه، من خلال درس إمكانية التوصل إلى تحديد القوانين الانتخابية التي تؤمن هذه المناصفة.
– العناوين والمشاريع الدستورية التي وردت في الطائف ولم تنفذ: أبرز هذه العناوين يتعلق باللامركزية الإدارية الموسعة والإنماء المتوازن والتنمية المحلية، حيث يتوجب على المتحاورين الإجابة على السؤال التالي: ما هي السبل التي يمكن الالتقاء حولها كقاعدة عمل مشتركة لتحقيق هذه الأهداف؟
– الإصلاح المالي والإداري: سعى المتحاوران إلى الإجابة على مجموعة من الأسئلة، لا سيما منها: هل يوجد خلل في الوضع المالي؟ وهل هذا الخلل بنيوي أم مرتبط بالأداء والممارسة؟ وما هي الإصلاحات المطلوبة، والتي يمكن أن تشكل قاعدة عمل مشتركة للدفع باتجاه إصلاح جدي على المستوى المالي؟ وقد توصل الفريقان إلى خلاصة مشتركة تفيد أن الخلل مزدوج، بنيوي ناجم عن النقص في التشريعات، وعملي ناتج من التفلّت من الرقابة. وفي هذا السياق، قد يتم الدفع باتجاه إقرار قوانين وتفعيل أخرى، لا سيما ما يتعلق بالإثراء غير المشروع، المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، المحكمة الخاصة بالجرائم المالية..
– ملف النزوح: يتوافق الطرفان على تشعبه وتداعياته الكبيرة، على المستوى الأمني الوطني والأمني والاقتصادي والاجتماعي وحتى الديموغرافي. وهنا سيتم التطرق إلى الآليات التي يمكن اعتمادها لمعالجة تداعيات هذا الملف.
– الأزمة السورية وتداعياتها: ما هي السياسات التي يمكن اتباعها للحفاظ على استقرار لبنان وحماية حدوده؟ ويدخل في هذا البند كل ما له علاقة بالأزمة، لا سيما «التدخل اللبناني في سوريا».
ليس موهوماً أي من الطرفين بإمكانية الوصول إلى اتفاق في كل الملفات، لكنهما سيحاولان الخروج بخلاصة مشتركة تكون ركيزة الجلسة التي تعقد بين عون وجعجع بحضور كنعان ورياشي، على أن توضع المسائل الخلافية المتبقية على طاولة الحوار، بحيث يتم السعي إلى تنظيم الخلاف بشأنها.