عندما تجتمع «أجنحة» السلطة لضرب حقوق المواطنين
هل يستعمل تمام سلام «قلم الاستقلال»؟
قيل إن القمع الذي مورس بحق المتظاهرين ليس قراراً من أعلى مستويات السلطة، لكن، مع ذلك، يصدف أن أحداً من أركان هذه السلطة لم يدن اعتقال 46 شاباً وشابة على أيدي رجال الأمن ونسائه. وحده وزير الداخلية أعلن أنه قد يكون هنالك «تجاوزات بسيطة»! هي تحديداً 46 اعتقالاً وأكثر من مئة هجوم على مواطنين كانوا يعتصمون دفاعاً عما تبقى من الدولة. لكن مع ذلك، فإن القرار لم يصل إلى أهدافه. من ظنّ أن الحراك قد خفّ وهجه وصار سهلاً القضاء عليه، أعطاه، من دون أن يدري، وقوداً ليستمر ويتمدد.
لكن مع ذلك، فإن التعامل مع تحرك 16 أيلول بدا فريداً من نوعه. شدّت السلطة عصبها الرسمي والأهلي والاقتصادي، ونزلت بثقلها إلى المعركة. ضرب وعنف واعتقالات صباحاً، ثم هجوم مدني منظم مترافقاً مع تكسير خيم المضربين عن الطعام بعد الظهر، ففي اليوم التالي، صرخة اقتصادية بيروتية تكون «الصرخة الأخيرة لإنقاذ الوسط التجاري» وتسعى إلى تحويل المتظاهرين إلى أعداء للسياح الذين يملؤون البلد، ولأهل بيروت الخائفين على وسط مدينتهم.
للمفارقة، لم يشعر من حضر اللقاء من اقتصاديين ونواب ومعهم رئيس بلدية العاصمة أن الوسط يتداعى إلا عندما نزل المعتصمون ليطالبوا بحقوقهم. محمد شقير اعتبر أن الحراك «يهدد البقية الباقية من مناعتنا الاقتصادية»، بعدما سبق وسأل، مع بداية التحركات، «هل المقصود ضرب الوسط التجاري؟». لكن، مسك الكلام الذي جاء على لسان نقولا شماس عن «أبو رخوصة» والشيوعيين الأسوأ من المندسّين، لا يعبّر سوى عن حقيقة تعامل السلطة بفئتيها الاقتصادية والسياسية مع الناس: هم إما فقراء حاقدون على الأغنياء وإما قطيع طائفي. أما المطالب بحقوق الجميع من فقراء وأغنياء وأزلام وطائفيين وعلمانيين.. فهم المخربون والشيوعيون الذين لفظتهم روسيا والصين. وهؤلا أنفسهم يريدون هزيمة الاقتصاد الليبرالي وهدّ الهيكل.. لمجرد أنهم يطالبون برفع الزبالة ومحاسبة وزير البيئة ومن اعتدى على المتظاهرين!
ما سبق أكد المؤكد. السلطة لن تتخلى عن امتيازاتها تحت ضغط الشارع. و «المقصود بالسلطة هنا 8 و14 آذار، لا تمام سلام». لا يزال أهل الحراك يميزون بين سلام وبين السلطة. وأكثر من ذلك لا يزالون يراهنون أنه الأمل الأخير.
عندما أعلن المضربون عن الطعام فك إضرابهم، قالوا «كنا نعول على ضمير الوزير وجرأته.. لكن نضع ممارساته أمام الشارع». الوزير المقرّب جداً من رئيس الحكومة قالها علناً إنه يشفق على المضربين، لكنه لن يستقيل.
يعرف هؤلاء أن الفاسد ليس محمد المشنوق، لكنهم يعتقدون أنه بإصراره على عدم تحمّل المسؤولية، إنما يغطّي الفاسدين، كما سبق وغطّاهم عندما ترأس لجنة فضّ عروض النفايات. أما سحب يده من الملف، فلا يفسّره أحد الوجوه البارزة في الحراك سوى رغبة من تمام سلام في عدم التورط بملف يشكل حالياً العنوان الأبرز للفساد. علماً أن الوزير أكرم شهيب ثبت المسألة بتأكيده أن الأزمة الحالية هي وليدة عشرين عاماً من الفساد.
باختصار، يبدو سلام بين حدّين إذا كان يريد أن يثبت أنه لم يأت إلى الحكم «بالصدفة». حتى اليوم لا يزال الحراك يأمل أن يشكل سلام الفارق، كما فعل والده الرئيس صائب سلام بتوقيعه على العلم اللبناني أيام الاستقلال. كيف؟ الشلل المؤسساتي وصل إلى حدّه الأقصى. المجلس النيابي غير قادر على انتخاب رئيس للجمهورية، وبغضّ النظر عن الشك بشرعيته فهو ليس قادراً على العمل أيضاً. وطاولة الحوار ليست مؤسسة دستورية ولا صلاحيات تنفيذية لها. لذلك لا يبقى إلا الحكومة، التي لا بد من الملاحظة أن الحراك لم يطالب باستقالتها في أي من بياناته الرسمية لأنه يعول عليها كآخر المؤسسات الدستورية. وعليه، فإن لا بديل عن توقيع سلام بقلم أبيه قرار إعادة الشرعية للسلطة، إنطلاقاً من مسؤوليته الاستثنائية في إنقاذ الجمهورية. وعليه، فإن هذه المسؤولية تحتم عليه، أو تمكنه من، وضع قانون انتخاب وإجراء الانتخابات النيابية، فالظرف الاستثنائي في هذه الحالة هو أقوى من الدستور المشلول أصلاً.
الاقتراح قد يكون غير واقعي، أو على الأقل ليس ممكن التنفيذ. يدرك قيادي ذلك جيداً، لكنه لا يفهم لماذا لا يوقع سلام، وبقلم أبيه أيضاً، على القرار الأسهل؟ لماذا لا يكلف لجنة تحقيق في ملف النفايات تكون لها صلاحيات واسعة تمكنها من وضع الأصبع على الجرح ومحاسبة كل من يثبت تورطه منذ التسعينيات وإلى الآن؟ ذلك أمر يفترض أن يكون بديهياً بعد كل ما كشف عن فساد في هذا الملف، و «حتى لا يكون سلام شاهد زور في أحد ملفات الفساد أو بدل عن ضائع في رئاسة الحكومة».