أميركا وإيران في لغة التسويات السياسية
هل من منتصر أو منهزم لبنانياً؟
بديهي القول انه سيكون للاتفاق النووي الاميركي – الايراني تداعياته على المنطقة ولبنان. والاكثر بداهة انه سيفتح صفحات جديدة في اكثر من ملف.
اما الشعور بالانتصار او بالهزيمة.. اما التفجع او الاحتفال، كما فعلت في حلقاتها الضيقة معظم الطبقة السياسية، فهذا مما لا يمكن احالته الا الى خفة تلك الطبقة وسطحيتها وضحالة معرفتها. طبقة تقرأ السياسة بالاماني حينا، وباسقاطات محلياتها الضيقة على مصالح الدول وسياساتها. لكن تبقى الطبقة الاكثر مدعاة للرثاء، تلك التي «دُهشت» من وصول الامور الى هذا الحد، وكأنها كانت تعيش خارج الزمن او في اقل تقدير، في زمنها الخاص.
وسط انهماك السياسيين في بكائياتهم او احتفالاتهم، يحاول بعض المتخصصين في الشؤون الدولية قراءة الامور بواقعيتها. يقول احد هؤلاء «ان اتفاق الضرورة لطرفيه الذي حصل، كان متوقعا لمن شاء قراءة الوقائع كما هي لا كما يشتهي. فالامور لا تأتي من خارج سياقاتها. وها هي ايران تثبت انها دولة تعرف كيف تتشدد وكيف تتنازل. وها هي الولايات المتحدة تترجم بعضا من شعاراتها باعتماد الحوار طريقا الى السلام وتجنب الحروب العبثية».
برأي ذلك السياسي أنه «ما بين الولايات المتحدة وإيران، خارطة من المصالح فرضت تلاقي الطرفين على الصعود الى قطار واحد. هذا لا يعني بالضرورة ضمان الرحلة او عدم نزول احد الطرفين في محطة سابقة، او حتى خروج القطار نفسه عن السكة. لكن المهم ان الاتفاق المبدئي قد تم، وهو ما سيكون له انعكاسات كثيرة، لا شك انها ستطال لبنان. الاهم ان يدرك اللبنانيون ان التسويات هي لغة السياسة. بالتالي يستحسن ان يجدوا تسوياتهم بأنفسهم كي لا تُفرض عليهم التسويات الدولية فيترجمونها وفق تحليلاتهم وتقاطع مصالحهم بين الخسارة والربح».
هذا يعني، وفق السياسي نفسه، «ان ايران بتوقيعها الاتفاق دخلت من جديد في بوتقة الشرعية الدولية التي لها نظم في الممارسة تفرض على ايران اسلوب ممارسة مختلفا في الكثير من الملفات في المنطقة. وهي لا شك ستكون حريصة على اللعب عند الحافة في هذه المواضيع. فلا تذهب ابعد مما يمكن ان يخرجها من موقعها الجديد، ولا ترضى بأقل من اقصى مكتسباتها. وهذه لعبة تتقنها ايران جيدا. من جهتها سيكون امام الولايات المتحدة هامش غير قليل من الوقت، قد يستغرق سنوات، تحيك فيها سجادة الاتفاق وتعدّل في رسوماته، او اقله في الوانه. فالحياكة ليست فنا ايرانيا حصريا». ويخلص الى التأكيد ان «الوقت هو التحدي الاول، سواء في الداخل الايراني او الاميركي، او في تطوير وتطبيق الاتفاق نفسه».
اما في انعكاسات هذا الاتفاق على لبنان فيقول المتخصص في الشؤون الدولية ان «الامور ليست اسود او ابيض. هي مجموعة ملفات مترابطة ومتداخلة وشديدة التعقيد. بالتالي لم ينتصر فريق ولم ينهزم آخر. مرة جديدة تحسم الدول وفق مصالحها الاستراتيجية، ونحن يمكن ان نتلقف هذه الفرصة سواء للاستفادة ايجابا عبر تلاقينا على الحد الوسطي المقبول، او يمكننا ان نستمر في تلقي تبعات اي توافق دولي على صيغة الفرض بقفازات مخملية».
استناداً الى ردود الفعل الاولية التي سرت في الاوساط السياسية، لا يمكننا ان نتفاءل كثيرا. فاللبنانيون يراهنون، كل من معسكره، على ان يحسم لهم حلفاؤهم المفترضون الامور في الداخل لمصلحتهم. هذا لن يحصل. والمنطقة من حولنا تواصل غليانها. والعامل المحلي في كل الدول، من سوريا والعراق الى اليمن وافغانستان، ليس تفصيلا.
يمكن للاتفاق ان يكون فرصة للبنان يقطف ثمارها اعادة الاعتبار الى مؤسساته وانضباط الجميع تحت سقف المصلحة الوطنية. ويمكنه ان يكون بابا لتعميق الانقسام والذهاب الى مزيد من التوتر في زمن يفترض انه يسير باتجاه تهدئة الامور وضبطها.