Site icon IMLebanon

هل خالف المجلس الدستور؟

ما كاد مجلس النواب يرتاح من المشقة والصعوبات التي واجهت انعقاد جلسته التشريعية الأخيرة، حتى ظهر فجأة من يلاحق تلك الجلسة بأمانته بمخالفة الدستور عندما وضع اقتراحات قوانين على جدول الاعمال وأقرها!

لا يحتاج مثل هذا الاتهام أصلاً إلى ما يدحضه، خصوصاً بعد قراءة ما استند إليه. ومع هذا نتوقف عنده، كونه يظهر لأول مرة في الحياة النيابية منذ صدور الدستور اللبناني وتشكيل المجالس النيابية قبل حوالي 82 سنة، لنكتشف عندها إذا ما كان في أيامنا الحالية دستوريون عباقرة ومفسرون «يأتون بما لم يستطيع ان يأتوا به الأوائل».

ينطلق تبرير المخالفة المفترضة من المادة 65 ـ دستور («السفير» يوم الجمعة الماضي)، وتحديداً الفقرة الخامسة منها التي تطرقت إلى أصول انعقاد جلسات مجلس الوزراء ونصابه الدستوري بأكثرية الثلثين (3/2) وكيفية اتخاذ قراراته توافقياً، أما إذا تعذر ذلك، فبالتصويت وبأكثرية الحضور، أما المواضيع الأساسية «فإنها تحتاج إلى موافقة الثلثين (3/2) من أعضاء الحكومة… وتعتبر مواضيع أساسية: تعديل الدستور، قانون الانتخاب… قانون الجنسية…» وغيرها حتى وصل عددها إلى 14 مشروعاً. «كما لم يحدد الدستور في أي نص كيف تكون تلك القوانين، برغم ان مواد أخرى صريحة تنيط الصلاحية بمجلس النواب».

ويخلص «الاتهاميون» إلى اصدار الحكم التالي: «إذا عطفنا المادة 65 التي منحت مجلس الوزراء صلاحيات في ما خص إقرار تشريعات معينة على المادة 18 المتعلقة باقتراح القوانين، نستطيع ان نفهم ان قصد المشترع انما يتجه إلى حصر المبادرة التشريعية في هذه الموضوعات الأساسية التي اشارت إليها المادة 65 بمجلس الوزراء، ولا يجوز تبعاً لذلك ان يتقدم أي نائب باقتراح قانون يتعلق بها، ولهذا فإن مجلس النواب يكون قد خالف المادة 65 عند إقراره قوانين وردت إلى المجلس بصيغة اقتراح قانون»، وبعدد خمسة منها…

ويبدو واضحاً من القراءة الأولى لهذا الأمر وما استند إليه لاتهام المجلس بمخالفة الأصول الدستورية، انهما مفعمان بالبطلان الذي يلامس قصر النظر. ويتبين ذلك من التالي الذي نتوقف عنده، على سبيل المثال لا الحصر. فعندما أولى المشترع الدستوري في المادة 18 مجلسي النواب والوزراء صلاحية المبادرة للتشريع، يكون قد منح كلاً من المجلسين صلاحية دستورية، ومثل هذه الصلاحية غير قابلة للاختراق وفق القواعد والأعراف الدستورية إلا بنص صريح وواضح يتصف بالاستثنائية التي يتصف مفهومها بالضرورة بالمفهوم الضيق الذي لا يقبل التوسع، وبالتالي تكون غير قابلة للتفسير بغير نصها الصريح أو نص صريح آخر، كما جاء في المادة 77 ـ دستور عندما حالت دون ممارسة المجلس مبادرة تشريعية لتعديل الدستور في عقد استثنائي.

ولهذا، فإن الدستور أعطى كلا من مجلسي النواب والوزراء حق المبادرة للتشريع، كما اعطى كلا منهما حدودا مطلقة، باستثناء ما جاء في نص آخر. فهل ما جاء في الفقرة الخامسة من المادة 65 ـ دستور مثال على ذلك الاستثناء لتنتقل صلاحية المبادرة للتشريع في المواضيع الواردة فيها ـ في المادة 65 ـ (عددها 14) إلى مجلس الوزراء ويحرم مجلس النواب من المبادرة فيها؟

تحدد الفقرة الخامسة من المادة 65 الاحكام الضابطة لاجتماعات مجلس الوزراء، ان لجهة النصاب وان لجهة التصويت وكيفية اتخاذ قراراته عند توافر أكثر من حالة. فالتصويت يكون توافقياً، وإذا لم يحصل التوافق يكون بالأكثرية، ولكن المشترع رأى ان هناك مواضيع وقضايا مهمة واساسية لا تكون الأكثرية كافية لاتخاذ القرار فيها وتتطلب أكثر من أكثرية الحضور فصنف منها 14 موضوعاً على سبيل المثال لا الحصر بنصه على: «وتعتبر مواضيع أساسية ما يأتي: …وعدد المواضيع الـ14. ففي الشكل يتضح ان المادة 65 في فقرتها الخامسة لم تكن استثنائية ولم تولِ صلاحيات، انما فرضت احكاما يجب على مجلس الوزراء التقيد بها عند التصويت. وبذلك يكون «الشكل» الوارد في النص يؤكد مخالفة القائلين بمخالفة مجلس النواب للأصول الدستورية عندما ناقش واقر بعض اقتراحات القوانين المندرجة في إطار المواضيع الـ14 الواردة في الفقرة الخامسة من المادة 65. ولا يمكن القول هنا بنية المشترع، باعتبار ان المشترع نفسه سجل ما يريده في نص مكتوب.

وهنا لا بد من الاعتذار لاستعادة ما استوعبه «المتهمون بالخرق» في المادة 65 وجاء فيه: «هذه المادة قد عددت بعضاً من الصلاحيات التي يمارسها مجلس الوزراء وبيّنت الموضوعات الأساسية التي تحتاج إلى موافقة عدد أعضاء الحكومة… ولم يحدد الدستور أي نص يبيّن كيف يكون قانون الجنسية أو قانون الانتخاب أو الاتفاقيات الدولية… من صلاحية مجلس الوزراء، بالرغم من أن مواد أخرى صريحة في الدستور تنيط الصلاحية بمجلس النواب…».

إن ما جاء في هذا النص غريب عجيب لاعتبارات عديدة، منها السؤال عما إذا كان من صلاحيات مجلس الوزراء إعداد مبادرات تشريعية حول المواضيع الواردة في المادة 65، كقانون الجنسية والاتفاقيات والانتخابات وغيرها إذا ما كانت المادة لا تلحظ ذكر تلك القضايا؟

إذا كان الجواب بنعم، فلماذا أشار إليها المشترع في ذكره بعض المواضيع الأساسية التي تتطلب أكثرية الثلثين؟! هل لمنحه حصرية المبادرة يا ترى؟ والسؤال الآخر: كيف يمكن أن يبيّن المشترع الدستوري كيف يكون قانون الجنسية او الاتفاقيات الدولية أو غيرها، فإذا بيّن كيف يكون، فلماذا التشريع يا ترى؟ ثم ما هي المواد الصريحة في الدستور التي تنيط الصلاحية بمجلس النواب؟ فما هي تلك المواد يا ترى التي يمكن أن يكون ذكرها يتجاوز ما نصت عليه المادة 18 ـ دستور او إضافة لها؟ ولذلك يتبين أن النص عليها جاء لفرض أحكام أو آلية محددة أو شروط لاتخاذها، وليست لإيلاء المجلس صلاحية تتجاوز صلاحيته بإعداد المبادرات.

إذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن الدستور اللبناني لم يعتمد صيغة تخصيص أي من المجلسين بالمبادرة للتشريع، ربما باستثناء المادة المتعلقة بتعديل الدستور بالمشاركة مع رئيس الجمهورية.

.. ومع هذا يمكن الاستخلاص من «قرار الاتهاميين» للمجلس بمخالفة الدستور عندما أقر اقتراحات القوانين بأنه جاء ليؤكد أن «الناس حقاً على دين ملوكهم»، سيان أكانوا سياسيين أم أكاديميين.