IMLebanon

هل زار وفدان من المخابرات والجيش التركيَّين دمشق؟

لم تعد خافية وقائع الاتصال المتواضع الذي حصل قبل أشهر بين ممثلين عن الحكومتين التركية والسورية في الجزائر (كشفت «الجمهورية» عنه في حينه). وبحسب المعلومات فإنّ الجزائر نجَحت في إتمام هذا الاتصال من حيث أهدافه ومستوى تمثيله.

المحاولة الأردوغانية الأولى حصلت برعاية جزائرية قبل نحو أربعة أشهر، وكانت متواضعة على مستوى الشكل الذي اعتُمد لإنشاء هذه الصِّلة وعلى مستوى الأهداف التي حُدّدت لتحقيقها خلاله.

هدفت هذه المحاولة لإنهاء القطيعة الكلية وإيجاد كوة للاتصال بين الطرفين داخل جدار الصدام السياسي والعسكري المفتوح. وكانت الجزائر مسرح هذا الاتصال الأول، وأدت وقائعه الى اتصال على مستوى سفارتي البلدين في الجزائر وتحت رعايتها.

وقد مهّد هذا الاتصال لدخول إيران على خط جهد لتدشين مسار حوار بين أنقرة ودمشق، انطلاقاً من أنّ الطرفين الإيراني والتركي يشتركان في أنهما متضرّران من بروز مسار أميركي في سوريا قد يُفضي الى إنشاء كيان كردي في سوريا ومنه في بقية الدول التي يقيم الأكراد فيها، على أن يحاكي كيانهم الموجود في كردستان العراق.

وتكشف معلومات متداولة داخل أوساط متابعة للعلاقات التركية – السورية، أنه خلال الشهرين اللذين سبقا الانقلاب الاخير في تركيا، زار دمشق على التوالي وفدان من المخابرات العسكرية التركية والجيش التركي، وأجريا اتصالات مع مسؤولين سوريين.

لا يوجد لدى هذه المصادر تحديد دقيق ليوم الزيارة الأولى، ولكنّها تؤكد أنّها حصلت بين ٢٢ و٢٦ أيار الماضي. وفي الشهر التالي زار وفد من الجيش التركي دمشق ايضاً، وتقول هذه المصادر إنّ الايرانيين لعبوا دوراً تنسيقياً لإتمام الزيارة الثانية.

حمل الوفدان التركيان الى دمشق، عنواناً وحيداً لنقاشه مع السوريين، وهو مواجهة ما تسميه أنقرة داخل كواليسها «الحقيقة القائمة»، وهي رغبة الأكراد السوريين المدعومين من واشنطن في بناء دويلة أو إقليم خاص بهم في سوريا.

دمشق استمعت إلى الوفدين التركيَّين، وتركت الزيارتين تتمّان تحت عنوان أنّ سوريا لا تغلق بابها أمام مَن يطرقه، ولكنّها لم تُبْدِ أيّ إشارات تُوحي بأنها مهتمة بادّعاءات أنقرة المتوجّسة من طموحات أكراد سوريا، أو أنها مستعجلة لإنشاء تنسيق مع أنقرة على أيّ موضوع، وما يهمّها هو أن يُبدي الرئيس التركي رجب طيب اردوغان استعداده العملي لمكافحة الإرهاب، وذلك عبر إغلاق حدود بلاده في وجه مرور الإرهابيين عبر تركيا الى الأراضي السورية.

وتفيد معلومات متقاطعة أنه في الشهرين الماضيين انخفضت بنسبة معيّنة حركة مرور عناصر الجماعات الإسلامية المسلّحة عبر تركيا الى سوريا، وليس هناك تأكيد من أيّ مصادر سورية أو تركية او حتى داخل المعارضة، عمّا إذا كان هذا الأمر يعكس وجود تغيّر تركي حاسم في هذا الشأن، أم أنّه مناورة تكتيكية من أنقرة لجسّ النبض الروسي والإيراني، أو أنه يعود لأسباب لوجستية.

وتتوقّف المصادر عينها أمام ملاحظات تتّصل بإمكانية حدوث مفاجأة كبرى تتمثل في عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، وتجاوز أزمة العداء التي نشأت بينهما منذ العام ٢٠١١:

الملاحظة الاولى: رغم القطيعة الحادة التي شهدتها العلاقات التركية – السورية منذ خمس سنوات، فإنّ زيارات رئيس دائرة الاستخبارات السابق في الجيش التركي الجنرال اسماعيل حقي بكين لم تنقطع إلى سوريا، وكلّها كانت تجري تحت عنوان أنها استكشافية وغير رسمية على رغم شعور المطّلعين على حركته بأنّ الرئيس رجب طيب أردوغان لم يكن غير عالم بها.

حصلت الزيارة الأولى لبكين في مرحلة القطيعة بين دمشق وأنقرة عام ٢٠١٢، ثمّ قام بزيارتين لاحقتين عامي ٢٠١٣ و٢٠١٤. وداخل كواليس سورية وتركية يطلق على بكين تسمية «مسؤول التواصل» مع السوريين. وتَشي الملاحظة الآنفة عن العلاقة التركية – السورية أنه رغم ما شهدته من تصعيد خطر، فإنّ عرابين مهمّين داخل بيئة المشاركين في التأثير على قرار انقرة يؤيّدون فكرة إعادة إصلاحها وعلى رأسهم بكين.

الملاحظة الثانية تسلط الضوء على الدور المهم الذي تلعبه إيران لتلطيف العلاقة بين أنقرة ودمشق، على رغم كل السحب السود التي لبّدت سماء العلاقة بينهما، ويعود ذلك إلى أنّ كلّاً من القيادتين الإيرانية والتركية نجحتا في تنظيم إدارة خلافهما في سوريا، عبر إبقاء انعكاساته على علاقاتهما كبيرة الحجم اقتصادياً محصورة في سوريا ولا تتشظى للإضرار بما بينهما من علاقات أخرى.

إذ هناك لوبي تركي فاعل داخل أنقرة يناصر العلاقات مع إيران، أبرزهم علي باباجان الذي لعب دوراً مصرفياً كبيراً في تركيا وكان وزيراً سابقاً للاقتصاد عام ٢٠٠٤ ووزيراً للخارجية عام ٢٠٠٧؛ وكبير مفاوضي الأتراك مع الاتحاد الأوروبي وأيضاً بين سوريا وإسرائيل اثناء توسّط أنقرة في التوصل الى سلام بينهما نهايات العقد الماضي.

وكان أيضاً رئيس «الحزب الوطني»، وكذلك كان له دور مهم في تيسير حركة أموال إيران عبر مصارف تركية خلال فترة العقوبات المالية الغربية عليها. وفي هذا السياق، تورد المصادر عينها أنّ طهران لعبت دوراً مهماً في تنسيق حدوث زيارة وفد الجيش التركي في أيار الماضي الى دمشق.

الملاحظة الثالثة، تتعلق بالكتمان الذي تفرضه كل من أنقرة ودمشق على البذرة الواعدة للاتصالات بينهما؛ وتؤكّد المصادر وجوب وضع زيارة الوفدين العسكري والاستخباري إلى سوريا، ضمن إطار أنهما حصلتا تحت سقف ثوابت الطرفين، المتمثلة في حرص أنقرة على أن تحمل الزيارتان عنواناً يتيماً تمّ صوغه بسؤال وحيد لدمشق، وهو بالحرف: «كيف لنا أن نمنع الحقيقة الواقعة المتمثلة بقيام دويلة كردية؟»، في حين أنّ دمشق اكتفت بعدم إغلاق بابها أمام الزائر التركي، لكنها لم تواكب أنقرة في اعتبار أنّ «خطر الدويلة الكردية هو حقيقة واقعة»، أو أن لديها هواجس تحاكي هواجس تركيا من الاكراد، بل تمسّكت بعنوانها الوحيد المعنية بطرحه مع أنقرة، وهو إقفال حدودها في وجه تسرّب الجماعات المسلّحة الى سوريا.

إعادة هيكلة الرؤية الأمنية

وضمن هذه الجزئية الاخيرة يتمّ إيراد ملاحظة بأنّ أنقرة تعاني في هذه المرحلة من صعوبات على مستوى قضية إعادة هيكلة أولوياتها الأمنية، خصوصاً بعد الانقلاب وبعد تعاظم عمليات عسكرية وأمنية لـ»داعش» وجهات أخرى داخلها، وأيضاً بعد تراكم الملفات الأمنية التي تطالبها أجهزة أوروبية بالكشف عنها.

وفي هذا المجال كشفت مصادر مطلعة أنّ توتّراً يسود العلاقة بين أنقرة وباريس لأسباب أمنية، وليس لأسباب اقتصادية أو سياسية أو على صلة بالتجاذب القائم بين تركيا والاتحاد الأوروبي على خلفية عدم موافقة الأخير على ضمّها إليه.

وسبب هذا الخلاف أنّ باريس تطالب السلطات التركية منذ فترة بالإفراج عن ثلاثة فرنسيين معتقلين لديها (وهم فرنسيو الأصل وليسوا من أصول شرق اوسطية)، لكنّ أنقرة ترفض ذلك، وتتشدّد في عدم التجاوب مع كل المطالب الفرنسية ذات الصِّلة بهذا الملف، حتى إنها رفضت تسليم باريس محاضر التحقيق التركية مع الموقوفين.

وتلفت المصادر الى أنّ التوجّه السائد الآن داخل أطروحة اردوغان عن تطهير الجيش التركي والمؤسسة الامنية، هو أن يكون مدخل إعادة هيكلة الرؤية الأمنية التركية إعادة هيكلة أدواتها.

والمطروح حالياً تطبيق نظرية مدير الاستخبارات التركية العامة حقان فيدان التي قدّمها لنيل شهادة الماجستير حول تحويل المخابرات من هيكليتها القديمة الى هيكلية تعتمد الأسلوب البريطاني، أي إنشاء جناحين لها داخلي (MI5) وخارجي (MI6)، وأن تكون بينهما مساحة تعاون مشتركة.