Site icon IMLebanon

هل اقتنعت واشنطن ببقاء الأسد؟

يبدو مثيراً للدهشة ما يُسرَّب عن خطط أميركية لتسليح المعارضة المعتدلة، إذا سقطت الهدنة في سوريا. فالرئيس باراك أوباما اعتاد إطلاقَ وعود من هذا النوع فوق الطاولة، لكنه تحتَها كان يمنح الرئيس بشار الأسد كلّ مقومات الاستمرار. وأما الحرب على «داعش» فلم تقدِّم أو تؤخّر!

في الجولات الأخيرة، أجرى الأسد عرضاً للقوة وللشرعية في آن معاً، هو الأشدّ وضوحاً منذ اندلاع الحرب قبل 5 أعوام. فالمناخ العسكري الساخن واكبته انتخابات برلمانية في المناطق التي يسيطر عليها النظام. وعلى رغم أنّ هذه الانتخابات لم تنطبق عليها معايير اتفاق فيينا، فإنّ الأميركيين لم يعترضوا عليها جدِّياً.

هذه الانتخابات تكرِّس اعترافاً دولياً بشرعية الأسد. فهو من خلالها سيوحي بأنه، على الأقل، يلتزم الديموقراطية، ولو شكلاً، خلافاً لدول أخرى شرق أوسطية حليفة لواشنطن لا تقيم وزناً للانتخابات على أنواعها. وسيكون لمجلس الشعب الحالي، الذي جاء نتيجة عمليات اقتراع في مناطق الأسد فقط أن يصنع مستقبل سوريا، علماً أنّ نحو 10 ملايين سوري غادروا مناطقهم الأصلية نتيجة التهجير.

وسيتولّى هذا المجلس التجديد للأسد ولاية جديدة، من دون أن يكون هناك شكّ في شرعيّته. ويوحي سلوك الأميركيين بأنهم، وخلافاً لما يعلنونه، باتوا يوافقون على بقاء الأسد، ليس في المرحلة الانتقالية فحسب، بل إنهم أيضاً باتوا أكثر اقتناعاً بالنظرية الروسية – الإيرانية القائلة باستمرار الأسد في مستقبل سوريا.

وما يؤكد صحّة هذا التوجّه الاتفاق الذي تمّ في آذار الفائت في موسكو، بين الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، والقاضي بالاستغناء عن البحث في مصير الأسد، والاستعاضة عنه بتحديد فترة انتقالية وإيجاد صيغة جديدة لتطوير الدستور بما يناسب كلّ الفئات السورية.

فقد نجح الروس في إقناع واشنطن بسلبيات إسقاط الأسد لأسباب عدة:

1 – لا بديل جاهزاً لدى المعارضة لإدارة سوريا، وهذا ما يثير المخاوف من فوضى لا يمكن ضبطها أو توقُّع سلبياتها على مجمل كيانات الشرق الأوسط.

2 – إنّ سقوط الأسد سيفتح الباب لتَوَسُّع الجماعات المتطرّفة، ولا سيما منها «داعش».

3 – إنّ نظام الأسد يبقى، بحكم الاستمرار والتجربة الطويلة، الأكثر قدرة على التعاطي مع القوى الإقليمية والدولية.

ولذلك، لم يَعُد الأميركيون متحمّسين للنقاش في المرحلة الانتقالية، وباتوا يريدون تسوية دستورية – سياسية في سوريا. وتلقّى عدد من قادة المعارضة إشاراتٍ واضحة إلى هذا الاتجاه. ومن هنا نقمة المعارضة السورية على إدارة أوباما.

فهذه الإدارة تبدو أيضاً في «مرحلة انتقالية» بين انتهاء ولاية أوباما وانتخاب الرئيس الجديد في الخريف المقبل. ومع أنّ كيري بدا مُصرّاً على استعجال إنجاز الصيغة الدستورية الجديدة في سوريا خلال 4 أشهر، أي قبل آب المقبل، فإنّ شيئاً لا يوحي بذلك حتى الآن.

وعلى عكس ذلك، يرغب الإيرانيون والروس في كسب السباق مع الوقت، والاندفاع أكثر إلى المواجهة العسكرية، ما يسمح لهم بتحقيق إنجازات في الوقت الضائع أميركياً وفترة الضياع عربياً. ويقوم الأسد باستثمار فرصة الدعم الروسي – الإيراني سريعاً ليوسِّع نطاق نفوذه إلى الحدّ الأقصى، بل ليستردّ سوريا بكاملها إذا استطاع، لكن ذلك دونه عقبات ميدانية وخطوط حمر سياسية.

لكنّ الأسد يبدو مطمئناً إلى أنّ واشنطن تبنّت الموقف الروسي القائل إنّ مصيره مرهون بالسوريين أنفسهم، لا بالقوى الدولية. فنظام الأسد اعتاد لـ40 عاماً تدبير مصيره مع السوريين، وتدبير مصير السوريين معه. وقد جاءت الانتخابات التشريعية الأخيرة ليُثبت فيها الأسد أنه «يقوم بالواجب» الديموقراطي تماماً.

في سوريا، الأسد وحده في حال هجوم، فيما الآخرون جميعاً في حال تضعضع (المعارضة) أو وضعية الدفاع («داعش»). وقد أطلق أوباما هذا التوصيف على «داعش» من باب التباهي بنفسه، والقول إنّ ما فعله إنجاز، متوقِعاً أن يتكرَّس هذا الاتجاه في الأشهر المقبلة. لكنّ «داعش»، التي تحتفظ بمنطقتها الأساسية وتوسَّعت أخيراً في محيط دمشق ومخيّم اليرموك الفلسطيني، ستبقى اللغز الذي يجب حلُّه.

فهذا التنظيم وُلد فجأة، ونَما سريعاً، وتلقّى دعماً هائلاً في العراق وسوريا، في ظروف غامضة، ويتمّ اليوم سحب اليد منه وتجميد حراكه نسبيّاً ربما لأنّ مقتضيات المرحلة تفرض ذلك… إلى حين. ومن الواضح أنّ سوريا لن تعود إلى ما كانت عليه قبل بداية الحرب في 2011.

وهذا يعني أنّ الأسد لن يُمسِك سوريا كما فعل سابقاً. وربما تكون المناطق التي يسيطر عليها اليوم هي التي اتضح مستقبلها، وربما بات مرجَّحاً مستقبل الأكراد أيضاً. وأما المناطق الأخرى، أي مناطق المعارضة، وكذلك مناطق «داعش»، فلا تزال رهن التحوّلات. فمَن سيسيطر على هذه المناطق إذا تمت هزيمة «داعش» وفق طريقة تَدمُر أو سواها؟

وثمّة سؤال: ماذا عن الجولان في هذا الخضم، وهو أرض سورية… مبدئياً! وطبيعي أن لا يتحدث عنها أيّ طرف سوري في مفاوضات جنيف. فالسوريون هناك لا يتحادثون أساساً، بل يقوم الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا بالاستماع إلى المعارضة في غرفة، ثمّ يلتقي النظام في أخرى.

إذاً، لا هو حوار وطني تأسيسي، ولا هو يحمل هواجس المصلحة السورية العليا.

يكفي هنا التذكير بأنّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يجول في الجولان، فيما كان الأسد يدلي بصوته في صندوقة الإقتراع قبل يومين. ومن هناك خاطب الأسد قائلاً: «إنسَ أنّ الجولان أرض سورية! لقد أبلغتُ جون كيري ذلك.

ونحن نريد الجولان تعويضاً من أوباما عن اتفاقه مع إيران». وزاد في التبرير: «داعش تتمركز قرب الحدود السورية، و«حماس» في غزة، وسيناء ينشط فيها المتطرّفون، و«حزب الله» يسيطر على حدود لبنان. إذاً كيف نتخلّى أبداً عن الجولان»!

هذه الوقائع تُثبت أنّ اللعبة في سوريا أساساً هي لعبة أقنعة، حيث كثيرون يبطنون الخفايا سواءٌ في أرض المعارك أو طاولة المفاوضات.

ويبدو أنّ هذه الأقنعة ما زال يلزمها الكثير من الرصاص والنار لتتمزَّق وتكشف الخفايا.