بعد بدء تنفيذ الاتفاق النووي بين الغرب وايران، اين اصبح ما كان يؤمل به من حوار دولي مع طهران حول حلحلة ملفات المنطقة، وهل ستستجيب لحلول وسطية؟
مصادر ديبلوماسية بارزة، اوضحت أن دعوة ايران الى المؤتمرات الدولية ـ الاقليمية حول الحل في سوريا تمّت، وهذا كان بمثابة اختراق، حيث لم يكن ليحصل ذلك من قبل. وعندما حصلت لقاءات دولية مع ايران على مستوى رفيع لا سيما من خلال زيارتي الرئيس حسن روحاني الى كل من باريس وروما اخيراً، طُلب من روحاني المساهمة في حلول في ملفات المنطقة ومن بينها ملف الرئاسة اللبنانية. الا ان مواقف ايران لا تزال هي ذاتها بما خص لبنان والمنطقة. لم يبدأ حوار مع ايران بمعنى تفاوض مباشر مع نتائج واضحة، الا انه خلال اية لقاءات تعقد بينها وبين المسؤولين الغربيين يتم بحث امكان ان تسلك ايجابياً في قضايا المنطقة.
في ما خص البحث الغربي مع ايران حول سوريا، بدا لدبلوماسيين معنيين ان موقف طهران اكثر تصلبا من موقف روسيا. روسيا في ادائها تعمل على جبهات عدة، فهي تعمل على ان تكون وسيطة للحل عبر الأخذ والرد والبحث مع الاميركيين والخليج ومصر وكافة الأطراف ذات الصلة بالوضع السوري، وكذلك مع الأطراف السورية.
وعلى جبهة أخرى هي تقصف داخل سوريا لدعم استمرار النظام اطول مدة ممكنة. في النتيجة، ايران وروسيا تسلكان عملياً السلوك ذاته، لكن روسيا توزع ادوارها بين اظهار الوساطة من جهة واظهار الحزم على الارض من جهة اخرى. لكن ايران تعبر بتصلب وتسلك بتصلب. هذا هو الفارق.
في كل المباحثات الدولية مع ايران لم يحصل اي تقدم، حول كل الملفات، وفقاً للمصادر. هي ترى نفسها تتقدم في المنطقة. في العراق هناك الحشد الشعبي الذي يضغط على رئيس الوزراء حيدر العبادي لتحقيق ما يريد. وفي لبنان الوضع واضح وحلفاؤها اللبنانيون يعطلون الانتخابات الرئاسية وفي سوريا لديها من يقاتل لدعم النظام حتى الآن لم تقبل ايران بالحلول الوسط كما كان الغرب يتوقع. ايران تريد انتصارات عبر الميليشيات التابعة لها. ولن يكون هناك حل الا بهزيمة في مكان ما في المنطقة. في اليمن تستغل ايران الأداء الخليجي لتلعب اللعبة التي يحب الغرب ان يسمعها، لغة الانسانية، وكأن ليس من قتل وضحايا مدنية في اي مكان آخر لا سيما في سوريا.
حاولت ايران، بحسب المصادر، المقايضة بين لبنان وسوريا من جهة، واليمن من جهة أخرى، لكن لم يتم قبول عربي بهذه الرغبة. العرب والخليج يتكبدون تضحيات كبيرة لكي لا يحصل تنازل في سوريا، وليس لتقديم اي ملف لايران على طبق من فضة.
وتكشف المصادر، ان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، يدرك جداً كيف يفاوض ويقوم بالعلاقات العامة التي تناسب الغرب. انما في اهدافه الحقيقية فان التشدد الايراني هو الذي يطغى. الأوروبيون قالوا عنه وعن فريقه التفاوضي ايام التفاوض حول انهاء الملف النووي، انه اخطر فريق تفاوضي نجح في التفاوض، ولم تعد ايران معزولة، لكنها في الوقت نفسه ابقت على سكوتها في المنطقة كما هو.
الغرب، وفقاً للمصادر يعوّل الآن على الاستثمارات في ايران. اي ان يشكل الخوف الايراني على مصير الاستثمارات عاملاً مهماً لعقد صفقات لحلول وسطية معها حول ملفات المنطقة، لكن مثلما هي تخاف على استثماراتها، الغرب يخاف ايضا على استثماراته هناك. وبالتالي ليس مضموناً ان يؤثر موضوع الاستثمارات على الموقف السياسي الايراني، ايران تريد المنطقة كلها.
ما تغير بعد التوقيع على «النووي» هو مشاركة روسيا العسكرية في الحرب السورية الى جانب النظام. هذا يمكن اعتباره تغييرا على الارض. كذلك صدور القرار 2254، الذي يحمل جمعاً بين مواقف متناقضة كانت اتخذت حول سوريا، ثم الاصرار الاميركي ـ الروسي على انطلاق التفاوض على الرغم من كل المعوقات، حيث المهم جلوس الطرفين معاً وتحديد اولويات البحث والتفاهم حولها وانطلاق التفاوض لا يعني التوصل الى نتيجة. الدخول الروسي الى سوريا، وفق مصادر ديبلوماسية، ادى الى اعادة تموضع عسكري حيث انه لم يعد بالامكان عزل السياسة عن العسكر. هل هذا يعني ان تغييرا ما في السياسة سيحصل، وما مصير الرئيس السوري؟ من المؤكد، ان لا دور مستقبلياً له في سوريا، لكنه حاليا يجلس عبر ممثلي النظام على طاولة التفاوض حول المستقبل.
في هذه الاثناء، لم تعد ايران، كما تجد نفسها، مضطرة للقيام بأي شيء في المنطقة من اجل حلحلة الملفات. انها تتابع مبادراتها، والمبادرات الروسية، وهي ستبقى على توجهها هذا، في انتظار تبلور الوضع السوري، وعلى اساسه يتحرك الوضع في كل من لبنان واليمن. لبنان مربوط من جانب ايران بالوضع السوري وبالوضع في المنطقة، وهذا ليس مفيداً للبلد وليس لمصلحته. ايران ستناقش الوضع في المنطقة من خلال حوارها المفتوح مع الغرب، لكنها ليست تحت الضغط للقيام بحل ما لملفاتها، وهي تعمل، وفق اعتقادها ان الوقت لصالحها. هناك زيارات متبادلة غربية ـ ايرانية حصلت اخيراً، والأهم فيها ان ايران باتت سوقاً كبيراً امام الغرب، وهي تحتاج الى كل انواع الاستثمارات. وبالتالي، ليس هناك من ضغط دولي على ايران، التي باتت شبه حليف للغرب لا سيما في محاربة «داعش».