IMLebanon

هل اليمن القاعدة الجديدة لـ«القاعدة»؟

 

أن يكون أحد الإرهابيين الذين شاركوا في جريمة صحيفة «شارلي إيبدو« في باريس زار اليمن، وتدرّب فيه على يد «القاعدة«، مؤشّر في غاية الخطورة. مثل هذا الأمر يعطي فكرة عن النتائج الكارثية التي يمكن أن تترتّب على فشل المرحلة الإنتقالية التي بدأت بخروج الرئيس علي عبدالله صالح من السلطة في شباط .

مثل هذا الفشل، الذي من سماته الأخيرة زيادة حدّة النزاع المذهبي في بلد معروف تاريخيا بأنّه كان بعيدا كلّ البعد عن مثل هذا النوع من الصراعات والتجاذبات، يهدّد بعواقب وخيمة. 

لا تنسحب هذه العواقب على اليمن وحده، بل تشمل كلّ المنطقة المحيطة به أيضا. فضلا عن ذلك، يخشى من تحوّل اليمن إلى افغانستان أخرى، أي ان تصبح حاله كما كانت عليه الحال في افغانستان قبل الحرب الأميركية ـ الأوروبية التي استهدفت اخراج «طالبان« من السلطة. 

كان مبرّر تلك الحرب أن «طالبان« وفّرت مأوى آمنا لـ«القاعدة» ولأسامة بن لادن الذي تحوّل إلى الحاكم الفعلي لأفغانستان. تبيّن وقتذاك، أنّ زعيم «طالبان« الملّا عمر يعمل لدى اسامة بن لادن وليس العكس، وأنّ المحاولات التي استهدفت حمل الملّا عمر على تسليم زعيم «القاعدة« إلى إحدى الدول المعنية تمهيدا لمحاكمته في قضايا مرتبطة بالإرهاب كانت مبنية على رهانات لا علاقة لها بالواقع.

الخوف في المرحلة الراهنة أن تؤدي التطورات في اليمن إلى ايجاد «القاعدة« ارضا يتحكّم بها في اليمن، على غرار ما كانت افغانستان قبل . صحيح أن «القاعدة« موجود بقوّة في مناطق عدة من البلد، لكنّ الصحيح أيضا أنّه لم يستطع في أي وقت اقامة كيان آمن خاص به، يتحرك فيه بكل حرّية، يجعله يعوّض ما خسره في افغانستان.

ما الذي يمكن أن يجعل الوضع اليمني يتدهور أكثر؟ قبل كلّ شيء، لم يعد من وجود لسلطة مركزية قويّة يمكن الإستناد إليها في عملية البحث عن صيغة جديدة لإعادة تركيب البلد بطريقة معقولة. 

لم يعد ذلك ممكنا، خصوصا منذ سيطر الحوثيون، أي «انصار الله« المدعومين ايرانيا، على صنعاء في الواحد والعشرين من ايلول الماضي وفرضهم بقوة السلاح ما يسمّى «اتفاق السلم والشراكة«. هناك مشروع واضح لـ«انصار الله« يقوم على بناء نظام جديد في اليمن. مثل هذا المشروع يؤسس لحروب مذهبية معروف كيف تبدأ وليس معروفا كيف يمكن أن تنتهي باستثناء أنّها توفّر حاضنة شعبية لـ«القاعدة« الذي سيصبح قسم كبير من السكان في مناطق معيّنة في حاجة إليه لحماية انفسهم من تمدّد «انصار الله« من منطلق مذهبي بحت.

لم يكن ممكنا تمدّد «داعش« في سوريا والعراق لولا النظام السوري الذي يذبح شعبه بكل ما تقع يده عليه، حتّى بالبراميل المتفجّرة والميليشيات المذهبية الآتية من لبنان والعراق. كذلك، لم يكن ذلك ممكنا لولا الممارسات المفضوحة لحكومة نوري المالكي. تكفّلت تلك الممارسات بجعل قسم كبير من السنّة العرب في العراق على استعداد للتحالف مع الشيطان وليس فقط القبول بـ«داعش«.

على الرغم من هذا الواقع، لا يمكن تجاهل أنّ هناك رغبة دولية في منع «داعش« من اقامة كيان له في سوريا والعراق. يساعد في ذلك وجود قوى عراقية وسورية، من بينها الأكراد، على استعداد للوقوف في وجه «داعش« وتمدّده. ولكن هل هذه الرغبة الدولية كافية لتحقيق الهدف المطلوب؟

في اليمن، يبدو الوضع مختلفا إلى حدّ ما في ضوء طموحات «انصار الله« ومن خلفهم ايران. هؤلاء لم يترددوا في السعي إلى السيطرة على الوسط الشافعي، بما في ذلك تعز في ظلّ غياب السلطة المركزية التي وقفت مكتوفة. وحده صمود أهل تعز جعل «انصار الله« يقفون عند حدود معيّنة، أقلّه حتّى الآن.

ليس سرّا أن «القاعدة« موجود في اليمن منذ فترة طويلة. كان تفجير المدمّرة الأميركية «كول« في ميناء عدن في العام اكبر دليل على ذلك. وليس سرّا أنّه كانت هناك قوى يمنية شريكة في السلطة مرتبطة بطريقة أو بأخرى بـ«القاعدة«. لكنّ الجديد الآن يتمثّل في طريقة تعاطي «انصار الله« مع بقية مكوّنات المجتمع اليمني، خصوصا المكوّن الشافعي. ما يزيد الوضع سوءا الفراغ القائم في صنعاء، خصوصا بعد خسارة الرئيس الإنتقالي عبد ربّه منصور هادي رهانه على استنزاف الحوثيين للإخوان المسلمين واستنزاف الإخوان للحوثيين في معارك عمران التي حسمها «انصار الله« سريعا.

هل يكون اليمن القاعدة الجديدة لـ«القاعدة«؟. إنّه السؤال الذي سيفرض نفسه في ظلّ قدرة مواطنين اوروبيين، من اصول عربية وغير عربية، على دخول البلد والتدرب فيه على السلاح لدى «القاعدة« ثم العودة إلى بلدانهم لتنفيذ عمليات ارهابية. يفرض هذا الواقع عدم الإستخفاف بما يعنيه كون احد الإرهابيين، وربّما كان هناك ارهابي آخر، من بين الذين اعتدوا على «شارلي إيبدو« في باريس من خريجي مدرسة «القاعدة« في اليمن!.