IMLebanon

أوكرانيا قبل إرهاب «داعش»!  

 

 

ضرب الإرهاب إحدى ضواحي موسكو. تبيّن أن همّ العاصمة الروسيّة في مكان آخر، في كييف، عاصمة أوكرانيا، وفي كيفية إخضاعها. لا إهتمام لدى موسكو في المشاركة في الحرب الحقيقيّة على الإرهاب التي تُعتبر أنظمة تدعمها روسيا بشكل مباشر جزءا لا يتجزّأ منه على الصعيدين الإقليمي والدولي. كلّ ما هو مطلوب، روسيّا، تحقيق انتصار في أوكرانيا على حساب شعبها وأرضها من أجل استعادة عظمة روسيا. يحدث ذلك فيما «داعش» يسرح ويمرح، مع تنظيمات مشابهة له، في مناطق عدّة قريبة من روسيا، خصوصا في آسيا الوسطى، في شرق أفغانستان تحديدا، حيث تنشط «الدولة الإسلاميّة في خرسان»!

 

أوكرانيا تأتي قبل إرهاب «داعش». من هذا المنطلق، لم يعد من وجود لأسئلة  لدى موسكو، أسئلة ذات صلة بالإرهاب الدولي بكلّ أشكاله، أسئلة من نوع: أين الرئيس فلاديمير بوتين من ممارسات الميليشيا الحوثية التي ليست سوى أداة إيرانيّة؟ هل يدرك بوتين أن الميليشيا الحوثية تسعى إلى تعطيل الملاحة في البحر الأحمر، وبالتالي في قناة السويس. أليس ذلك إرهابا؟ أين الموقف الروسي من وقف لإطلاق النار في غزة؟ هل يكفي أن تكون أميركا طرحت مشروع قرار في مجلس الأمن يوقف النار في غزّة، وإن بحدود معيّنة ووفق شروط قاسية، كي يصبح «الفيتو» الروسي مبرّرا؟

 

لم يأخذ «الفيتو» الروسي في الإعتبار حاجة أهل غزّة إلى هدنة. حتّى ولو كانت هدنة قصيرة، تسمح للغزاويين بالتقاط الأنفاس فيما بنيامين نتانياهو مصرّ على متابعة حربه الوحشيّة.

 

ثمة سؤال لا يمكن استبعاده أيضا: ما دور النظام السوري، الذي يشارك بوتين في دعمه، في قيام «داعش» عبر إطلاق إرهابيين من السجون السورية في مرحلة معيّنة؟

 

أكّد تنظيم «داعش» بالصوت والصورة أنّه وراء استهداف قاعة للاحتفالات الموسيقية في إحدى ضواحي موسكو مع ما أدّى إليه ذلك من قتل لنحو مئة وخمسين شخصا وسقوط عشرات الجرحى. حدث ذلك بعد أيّام قليلة من إعادة إنتخاب فلاديمير بوتين رئيسا لولاية خامسة من جهة وفيما الحرب مع أوكرانيا مستمرّة من جهة أخرى. سارع الرئيس الروسي إلى تحويل الأنظار عن «داعش» والتركيز، في المقابل، على علاقة ما بين أوكرانيا والإرهابيين الذين

 

كشفت جريمتهم أمورا عدّة. في مقدّم هذه الأمور أنّ «داعش» ما زال نشطا وإنّ خطره ما زال قائما أكان ذلك في روسيا أو بلدان أخرى، بمن في ذلك باكستان وافغانستان وإيران والعراق وسوريا على سبيل المثال وليس الحصر…

 

من بين الأمور الأخرى التي كشفها العمل الإرهابي الأخير، الذي نفذه «داعش»، عجز الرئيس بوتين عن تطوير نفسه بدل البقاء في أسر عقدة إستعادة أمجاد الإتحاد السوفياتي… وهي أمجاد غير موجودة.

 

من الواضح، في ضوء ردّ فعله على ما قام به «داعش»، أن الرئيس الروسي لا يرى سوى أوكرانيا والحرب التي يشنّها على هذا البلد. بدل أن يبحث في جذور المشكلة القائمة مع التطرّف الإسلامي الذي ضرب في روسيا وخارجها والذي لديه جذوره بسبب وجود أنظمة معيّنة معروفة جدّا، لا يرى مشكلة سوى في دولة مسالمة هي أوكرانيا. من بين الأنظمة التي تدعم «داعش»، من حيث تدري أو لا تدري، النظام الذي أقامه فلاديمير بوتين شخصيا في روسيا. لا يرى النظام الروسي في «داعش» سوى خطر ثانوي بالمقارنة مع أوكرانيا. ربط الرئيس الروسي مصيره السياسي بالسيطرة على أوكرانيا مستخدما حججا واهية مثل سعي هذا البلد إلى الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو). ما حصل بعد سنتين وشهر كامل على بدء حرب أوكرانيا أن حلف الأطلسي توسّع. إنضمت إليه السويد وفنلندا. الأهمّ من ذلك كلّه أن تركيز بوتين على أوكرانيا جعل أوروبا تسير في الإتجاه نفسه. كان الاجتماع الأخير لقادة الإتحاد الأوروبي مخصصا للخطر الروسي الذي مصدره حرب أوكرانيا. ما الذي ستفعله أوروبا في حال استمرّ الجيش الروسي في تقدمه داخل الأراضي الأوكرانيّة؟

 

لا تراجع للإرهاب، أكان سنّيا أو شيعيا، حوثيا أو على طريقة الإخوان المسلمين والتنظيمات التي ولدت من رحمهم، ما دامت روسيا مهتمّة فقط بأوكرانيا وبالسيطرة عليها… فيما تهمل ما يدور في أسيا الوسطى. تجاهل الرئيس الروسي كلّيا التحذير الأميركي الذي صدر في السابع من آذار – مارس الجاري. تحدّث الأميركيون صراحة عن خطر إرهابي يستهدف روسيا. لم يأبه بوتين بذلك. كلّ ما يريده هو تحقيق انتصار تلو الآخر في أوكرانيا.

 

يصبّ سلوك الرئيس الروسي في مصلحة «داعش» وذلك بغض النظر عمّا إذا كان الغرب، ممثلا باميركا وأوروبا، سيتمكن من تفادي كارثة في أوكرانيا، ذلك أن أي انتصار روسي كبير في أوكرانيا ستكون له نتيجة واضحة. تتمثل هذه النتيجة في جعل كلّ دولة أوروبيّة مهتمّة بالدفاع عن نفسها في وجه الخطر الروسي المستجدّ… مع ما يعنيه ذلك من دخول للحرب على الإرهاب الدولي في سبات عميق!

 

هل هذا ما يريده فلاديمير بوتين وما يسعى إليه من أجل القول أنّه تغلّب، عن طريق إخضاع أوكرانيا، على عقدته واستطاع إعادة روسيا قوّة عظمى في هذا العالم كما كانت عليه الحال أيّام الإتحاد السوفياتي؟