تدفعك أحداث المنطقة إلى التأمّل في تاريخ المسلمين من بدايته، هكذا نجد أنفسنا تتداعى الأمم علينا، على اُمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ «كما تتداعى الأَكَلَةُ إلى قصعتها» ففي حديث نبويّ «مرفوع» عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى النَّبِيِّ أنّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قُلْنَا: مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لا، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ(…)»، ونظرة من حولنا تتقلّب علينا وبنا الأزمنة والدهور والأحوال، وبصدق شديد أقول: «نعم، أشعر أنني ووطني لبنان نؤكل، وكذا سائر العالم العربي والإسلامي أيضاً، ويؤكل معنا إخواننا في هذه الأرض مسيحيّو المشرق العربي»!!
إيران «فارس» يشتد طغيانها من لبنان إلى سوريا إلى اليمن إلى العراق، تفغر فاها علّها تبتلع كلّ ما هو عربيّ، وكلّ من هو من أثَرِ الإسلام ونبيّه ـ صلوات الله عليه ـ يكره الفرس الإسلام، نعم هكذا وبوضوح شديد، كما يكرهون نبيّه، فتجدهم يدّعون تمسّكهم بآله، فيستغلّون الفرع لأنّهم يكرهون الأصل، ويكرهون المسلمين أيضاً، المتأمّل في تاريخ المسلمين منذ بدايته يجد أنّ هذه الكراهية قد سبقت منهم قبيل ولادة نبيّ الإسلام صلوات الله عليه، منذ رأى كسرى ملك الفُرس رؤيا قام منها فزعاً فوضع تاجه وجلس بين كبار قومه وقال لهم: «لقد رأيت رؤيا عجيبة. فقالوا: ما هي؟، قال: «رأيت إبلا صعاباً، تقود خيلاً عُرْباً، عبرت دجلة والفرات إلى أرضنا»… وإن هو إلا حين حتى كانت ليلة ولادته ـ عليه الصلاة والسلام ـ فارتجّ إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس التي لم تخمد منذ ألف عام، وجفّ ماء بحيرة ساوى، وأرسل كسرى رجاله يسألون، فجاؤوه قائلين: «لقد ولد نبيّ العرب».
والمتأمّل في تاريخ المسلمين منذ بدايته يجد أنّ لـ»كسرى الفرس» حضورٌ ملفت أيضاً في الهجرة النبويّة الشريفة، منذ خرج النبيّ صلوات الله عليه إلى أرض هجرته، بعدما جاءه خبر السماء بأنّ قومه أئتمروا به ليقتلوه وجاءه الأمر الإلهيّ بالخروج من مكّة، وكان سُراقةُ بن مالك يتتبع النبيّ، صلوات الله عليه، وصاحبه الصدّيق في طريق الهجرة، طمعاً في جائزة قريش لمن يدلّهم على طريقه، وكان كلّما همّ سُراقة بإطلاق سهم، والسّهم كان ليصيب النبي، وأبو بكر خائف يصرخ: «أدركنا يا رسول الله».. وسُراقة كان فارساً شجاعاً، والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربّه عزّ وجلّ: «اللهمَّ اكْفِنيهِ بما شِئتَ، وكيفَ شِئْتَ، إنّك على كل شيء قدير»، فيقع سُراقة، وكلّما همّ بأن يركب فرسه يقع مرّة أخرى، حتى قال سُراقة: «فعلمتُ أنّ الرَّجلَ ممنوعٌ، فقلت [سُراقة]: «يا محمد، أعطني شيئًا. فقال له ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كيف بك إِذا لبست سِوَارَيْ كسرى ومِنْطَقَتَه وتاجَه؟ فقال سُراقة: كسرى بن هرمز؟ فقال رسول الله: «نعم أعِدك سواري كسرى»، يقول سُراقة: «فصدَّقْتُهُ، وقلتُ له: أتكتب لي كتابًا في هذا؟! فقال النبي لأبي بكر: أكتب له كتاباً في ذلك، نَعِدُكَ سواريْ كسرى»…
وفي العام السادس للهجرة، أي بعد ستّ سنوات على الوعد النبوي لسُراقة بسواريْ كسرى، وجّه نبيّ الإسلام رسائله إلى ملوك وأمراء العالم ومن بين هؤلاء كانت رسالة إلى كسرى ملك الفرس، وحملها عبدالله بن حذافة السهميّ.. ولمّا قُرىءَ على كسرى الفرس كتابُ رسول الله ـ صلوات الله عليه ـ مزَّقه، قال ابن المسيب: فدعا عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «اللهم مزّق مُلْكَه كل ممزّق» [صحيح البخاري].
وتحقّق دعاء النبيّ فاستولى على عرش كسرى ابنه قباذ الملقب بـشيرويه، وقُتِل كسرى ذليلاً مهاناً، ولم يعش شيرويه إلا ستة أشهر، وتوالى على عرش كسرى في مدة أربع سنوات عشرة ملوك!! أمّا «سواريْ كسرى» وَعْدُ رسول الله صلوات الله عليه لـ»سُراقة بن مالك»، فقد أنجزَ وعده بعد مرور عشرين عامٍ من لحظة لحاقه بالنبيّ على طريق الهجرة، حتى كان عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه وأرضاه – وقد فُتِحت مملكة كسرى وسقط إيوان كسرى في المدائن، وجاءت كنوز كسرى إلى المدينة المنوّرة ومنها سواراه، فجمع الفاروق عمر الناس في المسجد النبويّ، وصعد منبر النبيّ وهو يبكي ويقول: أين سراقة بن مالك؟ أين سراقة؟ يا ابن مالك، تعال يا سراقة، أعطني الكتاب وخذ السواريْن، وأَلبسه عمر إِياهما، وكان سراقة رجلًا أَزَبَّ كثيرَ شعر الساعدين، وقال له: ارفع يديك، وقل: اللّه أَكبر، الحمد للّه الذي سلبهما كسرى بن هرمز، الذي كان يقول: أَنا رب الناس، وأَلبسهما سراقةَ رجلًا أَعرابيًا، من بني مُدْلِج .. وقال: الحمد لله الذي أذل بالشّرك كسرى وأعزّ بالإسلام سراقة بن مالك»…
كلّ هذا التاريخ المبدوء بكراهية الفرس للعرب ولنبيّهم ولأمّته، لـ»إيران ـ فارس» سواء أكانت بوجه كسرى أم البرامكة أم الصفويين أم الخميني والخامنئي، والله لن تقوم لكم إمبراطوريّة، ولن تقوم قائمة لملك كسرى، مهما سعيتم لإقامته من جديد فإنّ الله سيمزّق ملككم شرّ ممزّق مهما كان القناع الذي يخادع به الله والناس، «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» [يوسف/ 21].