Site icon IMLebanon

التحالف الإسلامي وشروط نجاحه

أن تعلن 34 دولة عربية تحالفاً عسكرياً لمحاربة الإرهاب وإنشاء غرفة عمليات مشتركة لهذا التحالف في الرياض، فالأمر يشكّل تطوراً استراتيجياً وقراراً إسلامياً حاسماً بتصدر مكافحة الإرهاب، إلّا انّ التحدي الأساس يكمن في التنفيذ لا الإعلان.

التصدي الفعلي للإرهاب يكون من مربّع إسلامي، لأنه الأقدر على نزع أي مشروعية دينية وفكرية يتلطى خلفها هذا الإرهاب، وهذه الخطوة أكثر من ضرورية، ومجرد الإعلان عنها يشكّل تطوراً بحد ذاته لجهة انه يؤشر إلى وجود إرادة وعزيمة للتخلص من هذه الآفة التي باتت تشكل خطراً عالمياً، كما انها تشكل تحدياً كبيراً للدين الإسلامي الذي يشوه الإرهاب صورته.

ولكنّ هذا التطور يجب ان يشكل إعلاناً لبداية مرحلة وليس نهايتها، بمعنى ان يتضمن خطوات عملية على أصعدة مختلفة، خصوصاً انّ الرأي العام مَلّ من القرارات التي تبقى حبراً على ورق على غرار إنشاء القوة العربية المشتركة في القمة العربية الأخيرة والتي تمّ التهليل لها من دون ان تجد ترجماتها على أرض الواقع، أو التحالف الدولي الذي لم يقدّم ولم يؤخّر في مواجهة الإرهاب.

وما يدعو للظن في جدية الخطوة انها جاءت متسرعة أو «مسلوقة» من دون الدعوة إلى اجتماعات تحضيرية وتنسيقية تعمل على تحضير الأسباب الموجبة لإنشاء التحالف ومهامه وأهدافه والخطوات التي سيلجأ إليها والوسائل التي سيستخدمها، وبالتالي هذا التحالف مطالب بأن يحدد استراتيجيته بوضوح.

ومن هنا المسؤولية الملقاة على الدول الأساسية المشاركة في التحالف الإسلامي كبيرة، وتتمثّل في إبراز جديتها في هذه المواجهة، والتي تتطلّب الآتي:

أولاً، الشروع في خطوات دينية لعزل المجموعات الإرهابية داخل بيئتها.

ثانياً، الشروع في خطوات ثقافية من أجل الترويج لثقافة الحياة ونبذ العنف والقتل.

ثالثاً، الشروع في خطوات مالية لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب.

رابعاً، الشروع في خطوات عسكرية من منطلق أنّ مواجهة الإرهاب مسؤولية إسلامية قبل ان تكون دولية وروسية…

خامساً، الشروع في خطوات تكاملية مع المجتمع الدولي من اجل أن يحظى عملها بغطاء الشرعية الدولية، بمعنى أن أيّ عمل عسكري يجب أن يكون بقرار من الشرعية الدولية.

ويفترض في خطوة من هذا النوع أن تشكل ارتياحاً لدى الدول الغربية التي تفاقمت لديها المخاوف من الإرهاب وتمدده وانتشاره في ظل شعور عام أنّ الدول الإسلامية تكتفي بالبيانات التنديدية والشاجبة وتتعامل ببرودة مع هذه المنظمات من دون الذهاب إلى خطوات عملية. وبالتالي، تشكّل ولادة هذا التحالف امتحاناً لقدرته على تطويق الإرهاب واستئصاله.

واللافت انّ إنشاء هذا التحالف جاء بعد ساعات على دخول وقف إطلاق النار في اليمن حيّز التنفيذ، أي مع انتهاء «عاصفة الحزم»، وبعد إعادة السعودية تعيين سفير لها في إيران، وبعد اجتماع المعارضات السورية في الرياض، وفي سياق مسار فيينا الذي ينطلق عملياً مع مطلع العام الجديد. وبالتالي، جاءت هذه الخطوة في ظل حراك دولي كثيف ودخول المنطقة في مرحلة جديدة.

وإذا كانت الرياض ترمي من وراء هذه الخطوة الى ملاقاة المجتمع الدولي في مواجهة الإرهاب، وان تكون شريكة له من موقع القوة في صناعة السلام في المنطقة، فإنه يسجّل لها هذه الدينامية الاستثنائية التي لم تعرفها في تاريخها والتي حوّلتها إلى لاعب إقليمي أساسي لا يمكن الاستهانة بقدراته ومبادراته.

فليس تفصيلاً انها ابتكرت بالتزامن مع انتهاء «عاصفة الحزم» دوراً جديداً إنما على مستوى العالم هذه المرة وليس دولة مثل اليمن، وأظهرت قدرتها على قيادة العالم الإسلامي، الأمر الذي يجعل تجاوز دورها في المنطقة مستحيلاً، أكان ذلك في العراق، أو في سوريا أو لبنان، وكل ذلك يدخل في سياق تعزيز توازن الرعب في المنطقة مع طهران استباقاً لأيّ تسويات محتملة تأتي على حسابها.

وتساهم خطوة من هذا النوع في تعزيز رصيد الرياض لدى المجتمع الغربي الذي ينظر بعين الريبة والخوف إلى تنامي الإرهاب، وبالتالي ذكاء المملكة يكمن في محاكاتها للعقل الغربي الذي سيثمّن جداً هذه الخطوة وهذا الدور ويجعلها شريكاً له في صناعة الاستقرار العالمي، كما كان ثمّنَ قبل بضعة أيام إشراك القيادة في المملكة المرأة للمرة الأولى بالاقتراع والترشح في الانتخابات البلدية، الأمر الذي يؤشر إلى تزامن الخطوات الخارجية والإصلاحات الداخلية.

وأمّا لبنانياً فخيراً فعل الرئيس تمام سلام تطويقاً للسجال بتأكيده «أنّ أيّ خطوات تنفيذية تترتّب على لبنان في إطار التحالف الاسلامي الجديد سيتم درسها والتعامل معها استناداً الى الأطر الدستورية والقانونية اللبنانية»، خصوصاً أنّ هذا التحالف لم يحصر مواجهة الإرهاب بـ»داعش»، بل ترك الباب مفتوحاً، الأمر الذي يمكن أن يعتبره «حزب الله» موجهاً ضده.

وبالتالي، لا مصلحة لبنانية بالدخول في سياسة المحاور ونقل أي ملف خلافي إلى الداخل، إنما التشديد على سياسة النأي بالنفس مع الحرص على مواجهة الإرهاب الذي يقوم لبنان أساساً بدوره على هذا المستوى، إن على الحدود أو في الداخل.

فالمصلحة اللبنانية اليوم تقضي في الحفاظ على الستاتيكو القائم، والدول الإسلامية وفي طليعتها السعودية أكثر من يَتفهّم حساسية الوضع اللبناني ودقته وتوازناته.

وبالتالي، على القوى السياسية أن تُجمع ما إذا كان لبنان يجب أن يكون شريكاً في هذا التحالف، أو دولة مساندة، أو دولة داعمة عن بعد، إنما الأساس أنّ أيّ قرار لبناني يجب أن يكون منوطاً بإجماع القوى السياسية، تجنيباً للبنان بأن يكون ساحة تجاذبات من طبيعة إقليمية أو مذهبية.

وإذا كان هذا التحالف يشكل بحد ذاته محط تنويه وتقدير وإعجاب، إلّا أنه من المستحسن عدم تضخيم هذه الخطوة ولا التقليل من شأنها، إنما التعامل مع وقائعها ونتائجها ومؤدياتها بعيداً عن الأحكام المسبقة.