Site icon IMLebanon

“الإحباط” الإسلامي في لبنان

 

ليس تفصيلا إطلاق رئيس الحكومة السابق تمام سلام صرخته التحذيرية من “الفوضى السياسية والدستورية” التي يعيشها لبنان.

 

 

فسليل العائلة الاستقلالية التي آثرت على الدوام الاعتدال على الصخب السياسي، وعملت من أجل التسويات بين الطوائف اللبنانية المتناقضة المصالح بدلا من “استثارة الغرائز الطائفية” التي تقود إلى الصدام الطائفي البغيض، بات يستشعر مخاطر من ” العبث ببلد جميل لا يريد أهله الانتحار”، كما قال في بيانه أول من أمس.

 

قد يكون على اللبنانيين أن يتذكروا لاحقا، ما جاء في هذا البيان نظرا إلى أنه يؤشر، من بين مواقف أخرى لرؤساء الحكومة السابقين، لمرحلة سياسية مقبلة.

 

اللافت في بيان سلام، الذي خبر بعضا مما تعرض له الدستور “لاعتداءات هدفها الأول قضم صلاحيات رئيس مجلس الوزراء من طريق المساس بالتوازن الوطني” أثناء رئاسته للحكومة في مرحلة الفراغ الرئاسي… هو دعوته رئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط إلى “بذل جهد من أجل انتشال لبنان من البؤس السياسي”.

 

إنها دعوة إلى تلاقٍ بين زعامات الطوائف الإسلامية الثلاث، السنة والشيعة والدروز. تذكّر هذه الدعوة بما شهده حراك قادة الطوائف الإسلامية الثلاث واجتماعاتهم، مع بداية الحرب الأهلية منتصف السبعينات من القرن الماضي تحت مسمى “قمة عرمون”.

 

قد تكون الذاكرة خانت البعض، أو أن صغر سنهم وقلة خبرتهم حالت دون إدراكهم لما أدت إليه هذه الاجتماعات، التي كانت تتم في دارة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد في بلدة عرمون، وحضرها الإمام المغيب السيد موسى الصدر وشيخ عقل الطائفة الدرزية الراحل محمد أبو شقرا، إضافة إلى زعماء سياسيين من الطوائف الثلاث: رئيس الحكومة في حينها الشهيد رشيد كرامي، والرئيسان السابقان الراحلان صائب سلام وعبد الله اليافي، وانضم إليهم لاحقا الشهيد كمال جنبلاط ونواب آخرون.

 

على رغم خلافات بين هؤلاء القادة في حينها حول الخيارات الإقليمية وفي الموقف من الدورين الفلسطيني والسوري في لبنان، كان مطلب “المشاركة” ما وحد بينهم. وهو ما أدى بالتدرج إلى قبول القيادات المسيحية بإصلاحات دستورية عدلت في تقاسم السلطة، لمواكبة ما أنتجته التطورات الديموغرافية والاقتصادية والثقافية من تقدم في دور المسلمين الاجتماعي، بفعل توسع التعليم والإنماء إلى الأطراف خلال عقدين سابقين ثم في المرحلة الشهابية، وبفعل الاغتراب والازدهار… لم تعد الريادة معقودة للدور المسيحي وحده. هذا ما يفسر في العمق، وبصرف النظر عن التدخلات الإقليمية، الجذور اللبنانية الصرفة للتوزيع المختلف الذي رسمه اتفاق الطائف للأدوار والأحجام المسيحية والسنية والشيعية، في السلطة.

 

استبق اتفاق الطائف الحقيقة القائلة بأن التوزيع المختلف للأدوار في السلطة قد يعيد الصراع الطائفي على المواقع مجددا فاعتبره موقتا، ريثما تلغى الطائفية كتطور طبيعي مفترض. وإذا كان وضع اليد السورية على لبنان حال دون استكمال المرحلة الانتقالية تمهيدا لتخطيها، حصل من أجل تسويغ بقاء الجيش السوري، فأحدث الإحباط المسيحي وأعاد تصعيد الصراع الطائفي على المواقع، فإن معطى إقليميا آخر أنعش رغبة فريق في استعادة حجم وموقع سابق، هو حاجة “حزب الله”، الطرف الأقوى بحكم السلاح، إلى حلفه مع هذا الفريق، أي “التيار الوطني الحر”، في سياق التغطية الشرعية لدوره الإقليمي بالتحالف مع إيران. والقاعدة القائلة أن الحزب يأخذ من “التيار الحر” ما يرضيه في الموقف الإقليمي، مقابل غضه النظر عما يعتبره الآخرون المكاسب في الداخل تحت عنوان “استعادة الحقوق”، ما زالت سارية المفعول. وما يعتقده الرئيس سلام بأن ” المس بالتوازن الوطني من الكبائر التي لا يرحم التاريخ مرتكبيها”، ينظر إليه الحزب، خلافا لمزاج جمهوره، على أنه من الصغائر أمام المعركة الكبرى التي يخوضها إلى جانب إيران، ضد أميركا. ولأن الأمر انتقائي يتعاطى مع حادثة قبر شمون – البساتين في الجبل كامتداد للمنازلة الكبرى…

 

ولا يعاكس “حزب الله” بموقفه جمهوره فحسب، بل يخالف قلق شريكه في الثنائي الشيعي، الرئيس بري من “قضم الصلاحيات”، ويكبله، على رغم أن بعض قيادات الحزب يخشى من الآثار المستقبلية للمهادنة التي يعتمدها.

 

قد يتطلب اكتمال النصاب السياسي للقوى الراغبة في وضع حد “للفوضى المنظمة والمدروسة” وفق دعوة سلام، المزيد من الوقت.

 

في الانتظار، يتنامى “الإحباط الإسلامي” ومعه الاحتقان. فهذا ما يدفع شخصية معتدلة مثل رئيس الحكومة السابق (وكذلك نظرائه) إلى قرع جرس الإنذار، وما يوقظ في جنبلاط شعوره بخطورة ما هو آتٍ، على رغم المنحى التسووي الذي سلكه في السنوات الماضية.

 

والأدهى أنها مرحلة تمهد لتجدد الإحباط المسيحي. وهكذا دواليك.