مع تجدد الظهور المسلح وإطلاق النار خلال تشييع «الجماعة الاسلامية» في ببنين ـ عكار شهيدين استهدفما العدو الاسرائيلي، شَنّت جهات داخلية عدة هجوما عنيفا على سلوك «الجماعة» من زاوية انه يكرّس ظاهرة السلاح المتفلّت على حساب دولة القانون ويعزز هواجس فئات لبنانية، خصوصا ان ما حصل لم يكن استثناء بل سبقه أمر مُشابه قبل فترة في محلة «الطريق الجديدة» في بيروت… فكيف ترد قيادة «الجماعة» على الانتقادات الموجّهة إليها؟
لعل ما زاد في الطين بلة هو إطلاق قذيفة «أر. بي. جي» خلال التشييع في عكار، الأمر الذي فاقمَ نقمة الرافضين مثل هذه التصرفات التي تشوّه، في رأيهم، قيمة التضحيات المبذولة في مواجهة العدو، من دون إغفال حقيقة انّ بعض مهاجمي «الجماعة» هم اصلاً على خصومة معها، فأتت التجاوزات المشكو منها «شحمة على فطيرة» لتمنحهم مادة دسمة تعزز موقفهم.
ويؤكد رئيس المكتب السياسي لـ»الجماعة الإسلامية» علي ابو ياسين لـ»الجمهورية» انّ إطلاق النار بكل أشكاله وأنواعه عمل مُدان ومستهجن ومرفوض، وكانت «الجماعة» قد أوصت بعدم اطلاق النار ـ بل ذهبت لتقول انه يصل الى درجة الحرمة، «لذلك نعتبر أن المقام هو مقام شهادة، والشهادة في حد ذاتها أبلغ من أي أمر آخر، لكن هناك عادات مجتمعية خاطئة تحتاج الى تصحيح وهذ الأمر يتطلب وقتا، والوقت الآن هو للمعركة مع عدو مجرم، فلتُصبّ كل الجهود في مواجهته وحماية لبنان من جرائمه».
ولدى سؤاله اذا كانت ظاهرة تكرار الظهور المسلح لـ»قوات الفجر» تنطوي على اي رسالة سياسية او ميدانية؟ يشير ابو ياسين الى ان «شهادة القادة هي أبلغ رسالة تُكتب بالدم وتصل مباشرة الى العدو حصراً، وفحواها أنك كلما استهدفت قائداً خرج من بعده قادة كُثر».
وحول الاتهام الموجه الى «الجماعة» بأنها تنشر الفوضى وتضرب ما تبقى من هيبة الدولة عبر السلاح المتفلت، يقول ابو ياسين: «نحن من أحرص الناس على هيبة الدولة، وفي كل مشاريعنا السياسية نؤكد مرجعية الدولة والقانون، ونعتبر أن الجيش اللبناني هو الضمان الوحيد لأمن الوطن واستقراره، فنحن لا ننشر الفوضى بل اننا مَن شكّل شبكات الأمن الاجتماعي التي سهرت على إغاثة الناس في ذروة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تسبب بها مَن يتهموننا بذلك».
ويلفت الى ان المظاهر المسلحة ليست ترجمة لقرار حزبي «وإنما هي ناتجة من تصرفات فردية او انفعالية لأن وقع أخبار استهداف خيرة الشباب ليس سهلاً على رفقائهم، وغالبية المظاهر ترتبط بعموم الناس الذين يعبّرون عن غضبهم في هذه المناسبات».
وتعليقاً على المواقف الحادة التي اتخذها بعض الشخصيات السنية ضد «الجماعة» بعد الظهور المسلح وإطلاق النار، يلفت ابو ياسين الى «ضرورة أن تكون الأولوية لدى الجميع البحث عن طريقة حماية لبنان المستباحة سيادته، حيث يسرح العدو الصهيوني ويمرح في سمائه، ويقتل ويدمر ويعربد ويزمجر، ناهيك عن الاستباحة الأمنية، ومن المستغرب حتماً أن لا ندين المجرم ونتكلم عن الضحية».
وحول احتمال ان يُوجَّه سلاح «الجماعة» الى اي طرف داخلي في لحظة ما، يجزم ابو ياسين باستحالة هذا الأمر قائلاً: «قطعاً لا، ونقطة على السطر، وهذا عهد علينا».
وهل الدور العسكري المتعاظم لـ»الجماعة الإسلامية» على الحدود وفي الداخل هو مؤشر إلى انها في صدد الانتقال إلى مرحلة جديدة؟ يجيب بالاشارة الى انّ «الدور متعاظم على الحدود في إطار واجبنا نحو بلدنا وقضايانا العادلة، ولكنه ليس متعاظماً في الداخل»، موضحاً انّ «المرحلة الجديدة بدأت مع «طوفان الأقصى» على مستويي لبنان والعالم وهي تعكس بداية نهاية هذا العدو، وبالتالي يجب أن يكون التعامل معه على هذا الأساس، وكل الذين بنوا مشاريعهم على قاعدة السلام معه هم واهمون لأن لا استقرار ولا أمان ولا ازدهار في لبنان والمنطقة ما دام العدو قابعاً على حدودنا الجنوبية».
وعن خيارات «الجماعة» في مواجهة استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي المتكرر لكوادرها، يوضح ابو ياسين انه يتم اتخاذ أعلى درجات الحذر والوقاية، «والمطلوب بل الواجب أن لا نسمح للعدو بأن يحقق أهدافه. لكن هذه حرب ضروس في المجال العسكري ـ الأمني والحرب لها أثمان»، لافتاً الى انّ «العدو يخفق مرات كثيرة وينجح في بعضها، انما الواجب تطوير الإجراءات مع تطور المعركة».
ولدى سؤاله ماذا عن مقاربتكم لموقف لقاء معراب من الوضع في الجنوب ومسألة تطبيق القرار 1701؟ يجيب ابو ياسين بطرح الأسئلة الآتية: «من يموّل كيان الاحتلال؟ ومن يزوّده الأسلحة التي تقتل اللبنانيين والفلسطينين وتدمر في لبنان وفلسطين؟ بل من يقف الى جانب هذا الكيان ويمنع مجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرارات في حقه؟ ومن يمنع المحكمة الجنائية من محاكمة قادة الإحتلال كمجرمي حرب ومرتكبي مجازر جماعية؟ أليسوا أنفسهم الذين وضعوا القرار ١٧٠١، غريب جداً كيف نتسوّل السيادة من داعمي الكيان بينما السيادة تُصنع ولا تستجدى».
وعما اذا كانت «الجماعة» تربط وقف نشاطها العسكري في الجنوب بوقف العدوان على غزة، يرد ابو ياسين بالقول: «نحن لسنا هواة حروب بل صنّاع استقرار وازدهار. وبالتالي اذا توقفت الحرب على غزة ولبنان فمن الضروري أن نوقف نشاطنا العسكري ونذهب الى لملمة جروح الناس وإغاثتهم وإعادتهم الى ديارهم».
ويدعو «جميع اللبنانيين بقادتهم ونخبهم وأحزابهم الى أن يَعوا الخطر الحقيقي الذي يخطط له هذا اليمين الاسرائيلي المتطرف فهو يتربّص، ليس فقط بفلسطين، بل بلبنان وكل المنطقة. وأوجَب الواجبات أن لا ننصَرف الى معارك بينية تشغلنا عن الهم الأكبر، وهو حماية لبنان واستعادة دوره ونهوضه».