Site icon IMLebanon

الجماعة الإسلامية خسرت: أين جمهوري؟

 

انتكاسة ثلاثية للجماعة الإسلامية في انتخابات 2018. خسرت نائبها الوحيد وانقلب عليها حليفها الأبرز، تيار المستقبل. لكن الانتكاسة التي قد تتكرر بهزات ارتدادية، هي نشوء «بلوك» داخلي، لم يكتف بالاعتراض على قرارات القيادة، بل وضع يده بيد الخصوم

 

كان من المفترض ان يكون نائب الجماعة الاسلامية الوحيد طوال تسع سنوات مضت عماد الحوت، احد المرشحين الخاسرين الذين تقدموا بطعون في نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة. الحوت أعلن في وقت سابق نيته تقديم طعن بنتائج «بيروت الثانية» أمام المجلس الدستوري. في حديث له مع «الاخبار»، اعلن الحوت تراجعه عن تقديم الطعن، ليس لعدم كفاية الدليل، إنما لعدم كفاية قناعته بـ«حيادية أعضاء المجلس عن السلطة السياسية برغم نزاهتهم». استبدلت الجماعة اللجوء إلى القضاء، بمؤتمر صحافي تعقده قريباً لعرض ما شاب العملية الانتخابية.

«أين صوتي؟»، شعار طرحته الجماعة الإسلامية بعد أيام من الانتخابات النيابية، مشتبهة «بوجود تلاعب بفرز الأصوات وتزوير نتائجها وفقدان أصوات ناخبيها في بعض الأقلام في بيروت الثانية». في الدائرة التي تشكل أحد معاقل «إخوان لبنان»، خسر نائب الجماعة الوحيد (في دورة انتخابات 2009) عماد الحوت، من دون أن يعوض خسارته، زملاؤه الثلاثة الذين ترشحوا في صيدا وعكار وطرابلس. وفي حال أمكن جزئياً ربط تراجع عدد المقترعين للحوت (من حوالى 76 ألفاً عام 2009 ـــــ عندما كان الحوت على لائحة تيار المستقبل ـــــ إلى 3938 صوتاً بعد تسع سنوات) بتزوير النتائج، بماذا يمكن ربط النتائج عموماً؟

ليس طعم الخسارة النيابية غريباً عن «الإخوان». للمرة الأولى في انتخابات 1972، شاركت الجماعة بترشيح محمد علي ضناوي (في طرابلس) الذي حاز على أكثر من 4 آلاف صوت. بعد عشرين عاماً، كانت جماعة «عباد الرحمن» سابقاً، قد حجزت مساحة في الساحة السنية عبر أمينها العام الأسبق وأحد مؤسسيها فتحي يكن. حضور أنتج في انتخابات 1992، ثلاثة نواب، هم إلى يكن في طرابلس، زهير العبيدي في بيروت وأسعد هرموش في عكار، فيما خسر مرشحون في مناطق أخرى. العز لم يدم لدى أول تنظيم إسلامي سياسي (تأسس عام 1964). تعاظم حضور تيار المستقبل والتيارات السلفية والمتشددة وانشقاق رموز عدة من المؤسسين والكوادر، أدى على نحو تدريجي إلى تطويقها. في كلٍّ من دورتَي عام 2000 وعام 2009، تمثلت بنائب واحد. ولكونها جزءاً من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، كانت حرارة الجماعة ترتفع وتنخفض بحسب التطورات الخارجية. لكن فرحتها لم تدُم بـ«الربيع العربي» ووصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر.

منذ عام 2009، بات من الصعب فصل الجماعة عن «المستقبل»، في وقت أصبح حلفاء سابقون كحزب الله من الخصوم. التصاق ضَمن لـ«الإخوان» فوز الحوت في بيروت والحصول على مكتسبات في مجالس بلدية ومؤسسات دار الفتوى. ذلك الالتصاق ربما حفّزهم للإعلان باكراً عن نيتهم خوض الانتخابات في جميع المناطق التي يوجد فيها ثقل للناخبين السنة، وتعهدوا بتحقيق فوز كبير. لكن أين الفوز والحضور و… المستقبل؟

على النحو النظري، يربط رئيس الدائرة السياسية في الجماعة (النائب السابق) عماد الحوت، نتائج الانتخابات بمفاعيل القانون النسبي. «سمح للقوى كافة بتحديد أحجامها؟». هل من نتائجه أن «الجماعة» خرجت من المجلس وأحد أبرز خصومها «الأحباش» (جمعية المشاريع الخيرية) عادت إليه؟ «الجماعة تعتمد على قوتها الذاتية، بينما الأحباش تعتمد على قوتها وعلى أطراف أخرى جُيّرت أصواتها لصالحها، ما أدى إلى فوز مرشحها عدنان طرابلسي في بيروت الثانية» يجزم الحوت. من أسباب الأرقام التي نتجت «استخدام أدوات غير ديموقراطية في بعض الدوائر أثرت على النتائج، لا سيما في بيروت وصيدا، منع تعليق صور والاعتداء على مراكز انتخابية على مرأى القوى الأمنية وضخّ المال الانتخابي وعدم احترام العازل في أقلام الاقتراع ونقل المدنيين لصناديق الاقتراع من دون مواكبة أمنية…».

مع ذلك، يؤكد بعض الإخوان بأن الأرقام «لم تكن لتتضاعف في حال لم يسجل تزوير أو تلاعب». يدركون بأن نظرية المؤامرة لا تبرر النتائج الهزيلة التي حققتها جماعتهم. عوضاً عن التحديات التي تعانيها الحركات الإسلامية عموماً، يعتبر البعض بأن قيادة عائشة بكار «لم تُحسن إدارة الانتخابات بالنسبة اختيار المرشحين أو اختيار الحلفاء». في حين، يرى البعض أن «التخبط الذي عانته الجماعة في الأشهر الأخيرة قبل 6 أيار، سببه الرئيسي قرار المستقبل المفاجئ بعدم التحالف معها».

 

تراجعت الجماعة عن تقديم الطعن لعدم قناعتها بحيادية أعضاء المجلس الدستوري

 

يرفض الحوت إظهار الجماعة بظهر المكسور بعد ابتعاد «المستقبل» عنها. المتهم بأنه وديعة بيت الوسط والرئيس فؤاد السنيورة في عائشة بكار، لا يجزم سبب قرار الرئيس سعد الحريري بفك الارتباط بالجماعة. لا يؤكد الشائعات التي تحدثت عن تمنٍّ سعودي ومصري وإماراتي على الحريري بعدم التحالف مع الإخوان المسلمين، ويشكّك بطلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منه التحالف معهم. الحوت الذي لم ينقطع عن التواصل مع الحريري قبل تشكيل اللوائح، رجّح بأن الحريري «لم يتعرض لأي ضغط لكي يضع فيتو على الجماعة، بل أخذ قراره بعدم التحالف مع أيّ مكون في الساحة السنية ليؤكد للسعودية بأنه الممثل السني الوحيد». والنتيجة؟ «فاز عشرة نواب سنة من خارج العباءة الحريرية». لكن المسؤول الإعلامي لـ«الجماعة» وائل نجم قال إن «الأجواء كانت إيجابية مع المستقبل الذي زارنا أمينه العام أحمد الحريري للتباحث في التحالف الانتخابي. لكن المسار توقف خاصة بعد زيارة الرئيس سعد الحريري إلى السعودية».

يأسف الحوت للخسارة لكنه لا يأسف للتجربة. «الجماعة كانت بحاجة لأن تخوض الانتخابات بهذا الشكل المستقل». يستعرض مكتسبات عدة حققتها أولها «إثباتها أنها فريق سياسي موجود له حيثية، ومستقل في قراره». وثانيها «أنها استطاعت كسر الطوق المضروب عليها سابقاً كطرف سني لا يمكن لها بأن تفاوض طرفاً مسيحياً، إنما كان الأمر مقتصراً على المستقبل». تنظر «عائشة بكار» إلى أن تحالفها الذي أبرمته مع التيار الوطني الحر في بعض الدوائر الانتخابية كان مفيداً، برغم أن بعض جمهورها وجد في التحالف «استخداماً عونياً لأصوات الإخوان لزيادة الحاصل الانتخابي وإيصال نوابهم كما حصل في دائرة صيدا ـــــ جزين التي خسر فيها مرشح الجماعة في صيدا بسام حمود». لا يحمل الحوت مسؤولية خسارة حمود إلى العونيين. كما أن الجماعة «لا تخوض مفاوضاتها على أساس وعود لا ضامن لها. عادة لا نبيع الموقف أو الموقع لمكسب خاص، بل لرؤية مشتركة».

تجري الجماعة حالياً مراجعة تقييمية عبر ورش عمل متلاحقة للتحقق من أسباب الخلل، وصولاً إلى عقد مؤتمر عام في العام المقبل. جزء من الأسباب التي أدت إلى الخسارة «تقصير بالتواصل مع الناس في عدد من المناطق». في صيدا حيث روّجت ماكينة الجماعة بأنها تحظى بتأييد نحو 7 آلاف مقترع، حصل مسؤولها في المنطقة على 3204 أصوات تفضيلية. إضافة إلى التقصير المحتمل، تعرض المؤيدون لضغوط عدة منها «الوعود التي تلقاها أهالي موقوفي عبرا بحل ملف أبنائهم مقابل التصويت للنائب بهية الحريري».

 

 

التيار الوطني الحر… الحليف الجديد

انتهت الانتخابات ولم ينقطع تواصل الجماعة بالتيار الوطني الحر. يحرص الإخوان على تعميق العلاقة مع الحليف الجديد. ماذا عن حليف الحليف، الحليف القديم حزب الله؟ أكد النائب السابق عماد الحوت بأن «قناة الاتصال مع الحزب لم تنقطع في يوم من الأيام، برغم الخلاف العميق خصوصاً طريقة التعامل مع الدولة والأزمة السورية». لكن تلك القناة «تبقى في حدها الأدنى في إطار العلاقة بين فريقين سياسيين إلى حين إيجاد المشتركات بيننا».

تصر الجماعة على رسم خط فاصل مع كل ما يمتّ بصلة لحزب الله. بعد إعلان بعض كوادرها في إقليم الخروب نيتها دعم المرشح اللواء علي الحاج، استقبل الأمين العام للجماعة عزام الأيوبي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وأعلن تجيير أصوات الإخوان للائحة «البيك». يرفض الحوت الحديث عن انقسام في قاعدة الجماعة. «كنا نخوض مفاوضات لإشراك مرشح لنا في لائحة «ضمانة الجبل» (التي ضمّت النائب طلال ارسلان إلى جانب التيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي وآخرين)، لكننا عدلنا بعد ضم (اللواء علي) الحاج إليها وبلغناه عندما زارنا بأننا لن ندعمه». فشل مرشح الجماعة في الانضمام إلى لائحة أخرى. في المحصلة، «اخترنا دعم التقدمي مقابل التعاون بيننا بعد الانتخابات على خدمة الناس بدلاً من أن نترك قاعدتنا تذوب بين القوى». أما دعم المرشح عن المقعد السني في قضاء حاصبيا، عماد الخطيب (لائحة «المستقبل» وارسلان والتيار الوطني الحر) فـ«ليس مرتبطاً بدعم المستقبل له، إنما رغبة منا بأن يعبّر الصوت السني في المنطقة عن نفسه».

 

«انشقاق» هرموش

قبل انتكاسة الصناديق، واجهت الجماعة الإسلامية انتكاسة داخلية عندما أعلن مرشحها المفترض عن عكار ونائبها السابق أسعد هرموش استقالته من منصبه كرئيس للمكتب السياسي عبر شريط مصور بث على مواقع التواصل الاجتماعي. نص الاستقالة تضمن انتقاداً لنهج إخوانه الانتخابي. سريعاً، قررت القيادة تجميد مسؤولياته التنظيمية وفتحت تحقيقاً فيما حصل لاتخاذ التدبير بحقه. لم تكن خطوة هرموش عابرة. لم يشهد التنظيم الستيني مشهداً مماثلاً استدعى فصلاً، برغم مغادرة قيادات كثر في وقت سابق. «افتراق هرموش ممارسة غير تنظيمية وغير أخلاقية، بمعزل عن الأسباب التي قدمها التي لا تبرر أن يعمل في ماكينة تيار المستقبل» يقول النائب السابق عماد الحوت. أما المسؤول الإعلامي لـ«الجماعة» وائل نجم، فيؤكد بأن خطوة هرموش لم تترك تداعيات بين الإخوان في المستويات كافة.