هل يستطيع «حزب الله» خوض معركة «الحساب المفتوح»، والثأر بعد تلك الضربات الموجعة التي تعرض لها بين اختراق أمني لمنظومته وبين اغتيالات لكبار قادته، مما يؤكد حالة من الضعف والوهن العسكري والاستخباراتي والأمني لدى منظومة الحزب التي ظهرت بضعف وهوان غير مسبوقين، بل وباختراق أمني لأقرب دائرة مصغرة لحسن نصر الله؟!
نصر الله الذي اعترف قائلاً: «(حزب الله) تعرض لضربة قوية غير مسبوقة أمنياً وإنسانياً والأيام الماضية كانت ثقيلة»، بينما الانفصام السياسي يظهر على لسان ما تبقى من قادة «حزب الله» الذين يرددون: «دخلنا مرحلة جديدة، عنوانها معركة الحساب المفتوح، نتابع فيها جبهة الإسناد (لغزة) والمواجهة»، بينما تفجيرات أجهزة الاتصال انتهت بمقتل أكثر من 80 شخصاً وإصابة نحو 3 آلاف آخرين بجروح، حسب حصيلة لوزارة الصحة اللبنانية، التي كشفت عن أكبر اختراق أمني تسبب في كشف ومقتل وجرح المئات من عناصر «حزب الله» في بضع دقائق وليس حتى ساعات باستخدام تكنولوجيا متطورة، رغم عدم قبولنا بها لكونها عرضت في المقابل مئات وآلاف المدنيين للخطر؛ كون من تفجرت أجهزتهم ليسوا في صحراء خاوية بل كانوا يعيشون بين أبرياء ومدنيين، ولكن العملية رغم «قذارتها» فإنها كشفت عن ضعف ووهن في الجهاز الأمني للحزب الذي لطالما تغنى به نصر الله الذي فقد العشرات من قادته في بضع ساعات في ضربة خاطفة لـ«قوة الرضوان»، إلا إذا نصر الله كان شريكاً في التخلص منهم!
لبنان ضحية بين مغامرات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومصلحته في استمرار الحروب للبقاء في الحكم والاختباء خلف الحصانة من ملاحقة القضاء، وبين حسن نصر الله والوعد بالرد «القاسي» على حساب الجنوب بل لبنان وبنيته التحتية، فالتهديد الإسرائيلي لإعادة لبنان إلى عهد ما قبل التاريخ، وفق تصريحات عنترية يطلقها قادة جيش إسرائيل في كل معركة صواريخ يطلقها الحزب، التي نادراً ما تحدث أضراراً عسكرية للجيش الإسرائيلي وقواعده في حيفا أقرب الأهداف لصواريخ «حزب الله»، وهو الخطر القادم.
ظاهرة «حزب الله»، ظاهرة إقليمية، بل شبه عالمية تسببت في العديد من الأزمات والمشاكل حول العالم، بسبب تحوله إلى ذراع إيرانية في المنطقة، وتجاوزه دور الحزب السياسي المدني وممارسة التداول السلمي، إلى تحوله إلى ميليشيا مسلحة داخل الدولة وخارج سيطرتها.
«حزب الله» يصنفه الكثير من المحللين بأنه من أخطر المنظمات الإسلامية وكذلك ما يجمعه مع النظام في إيران بدءاً من مبدأ «ولاية الفقيه» مروراً بنهج الإمام الخميني والهوية الثقافية رغم عائق اللغة والتاريخ بين ما هو عربي وفارسي رغم تقاطعات الثقافات «الدينية»، وانتهاء بالتمويل، وهو شريان الحياة الحقيقي الذي يربط الحزب بإيران رغم ما سبق من عناصر وتقاطعات للمصالح، مما يجعله مجرد ذراع إيرانية في المنطقة.
معادلة «حزب الله» و«فلسطين» وزوال إسرائيل، من الشعارات المعلنة لـ«حزب الله»، رغم أن الحزب كانت مشاركته في حرب غزة خجولة، بل شبه جبهة معطلة، فقط اكتفى بالرد على غارات إسرائيلية استهدفت عناصر الحزب بالاغتيال، عدا ذلك كانت جبهة الحوثي في اليمن غير الحدودية الأكثر تفاعلاً منها جبهة «حزب الله» الحدودية، مما يؤكد أن المشغل للتنظيمين (الحوثي و«حزب الله») واحد ولا يمتلك أي من الحزبين أمره.
ولعل المتابع للشأن اللبناني لاحظ تسلط ميليشيا «حزب الله»، التي تستقوي بالخارج على الدولة، وعملها كدولة داخل الدولة، للحفاظ على لبنان مضطرب وعلى حافة حرب أهلية بين الحين والآخر، وهي غاية إقليمية ودولية، استغلت مشكلات لبنان المتعددة من أزمة رغيف الخبز وغلاء الأسعار، إلى «الديمقراطية» المبنية على محاصصة طائفية؛ فالنظام اللبناني مبني على أساس مغالبة طائفية، ولهذا صار لبنان بثلاثة رؤساء وبجسد واحد ممزق، في ظل وجود حزب مسلح أقرب للميليشيا منه لحزب سياسي.
في الوقت الذي يخوض فيه «حزب الله» حروباً مسلحة خارج حدود لبنان الذي يمزقه الغلاء ومتلازمة الفقر والجوع والمرض، لا يعبأ بشح الموارد وتداخل الخارج والداخل، لبنان يسوده التشظي السياسي والحزبي والطائفي.
لبنان اليوم في ظل جيل جديد لم يكن شريكاً في صنع الطائفية ولا فرض وجود «حزب الله» المسلح، سيكون من السهل عليه نبذ الطائفية، وبخاصة وهو لا يريد العيش في جلبابها.
فلبنان سيكون أكثر أمناً وسلاماً بعد نزع سلاح «حزب الله» الذي يتمترس خلفه بحجة المقاومة، بينما هو أبعد ما يكون عن المقاومة وتحرير شبر من مزارع شبعا، أو غيرها من الأراضي اللبنانية المحتلة.