Site icon IMLebanon

«المقاصد الاسلاميّة».. وثقافة العيش الواحد

 

شهدت بيروت منذ ايّام انتخابات مقاصديّة أسفرت عن انتخاب الدكتور المهندس فيصل سنّو رئيساً جديداً لجمعيّة المقاصد الخيريّة الاسلاميّة في بيروت، بعدما أبدا رئيس المقاصد السابق المهندس أمين الداعوق رغبته منذ أشهرعدّة بالتّخلّي عن مهماته في رئاسة المقاصد.

وللمقاصد الاسلاميّة اهميّة وطنيّة وتاريخيّة لدى بيروت واهلها، فقد تأسّست في غرّة شعبان عام 1295 هجري الموافق 31 تموز عام 1878 ميلادي، أي قبيل نهاية العهد العثماني، والّذي بدأت فيه الارساليّات الاوروبيّة تتسلّل الى بيروت وجبل لبنان حين تأسّست الكليّة السوريّة الانجيليّة عام 1866م (الجامعة الاميركيّة)، والكليّة اليسوعيّة 1875.

وعندما أنشئت جمعيّة المقاصد منذ مئة وأربعين عاما سعت لانشاء مجتمع مقاصدي متميّز مبني على القيم السّامية، فخور بانتمائه الوطني وبأمّته العربيّة وعقيدته الاسلاميّة لمواجهة ثقافة التغريب والتّبشير الّتي بدأت تغزو مجتمعنا العربي والاسلامي نتيجة السياسة الاوروبيّة التي خطّطت لتقاسم تركة الرجل المريض آنذاك أي (السلطنة العثمانيّة) ومن أجل ذلك فانّ المقاصد ومنذ نشأتها أبدت اهتماما خاصا باعداد جيل جديد من الشباب والشّابات محصنا ثقافياً ووطنياً واسلامياً وعربياً، ومن أجل ذلك فانّ المقاصد وشبابها وشابّاتها كانوا على الدوام ومازالوا متفاعلين مع كل قضايا الأمّة العربيّة من المحيط الى الخليج العربي، وخاصّة قضيّة فلسطين وشعبها الشقيق.

ومن الملاحظ من خلال بيان التأسيس المقاصدي أنّ تعليم الفتاة المسلمة كان له الأولويّة لما للمرأة من أهميّة في نشأة الأُسرة الصالحة والمجتمع السليم. ويمكن القول أنّ جمعيّة المقاصد في بيروت هي احدى الركائز الأساسيّة للحفاظ على الوجود والتاريخ والعقيدة وعروبة بيروت وكل لبنان.

وقد توالى على رئاسة المقاصد منذ عام 1878 و حتّى الآن التالية أسماؤهم: الشيخ عبدالقادر القبّاني، الشيخ عبد الرحمن الحوت، المفتي الشيخ مصطفى نجا، سليم علي سلام، محمّد الفاخوري، عمر الدّاعوق، محمّد سلام، مصباح الطيّارة، الرئيس صائب سلام، الرئيس تمّام سلام، المهندس أمين الدّاعوق. و منذ أيّام تولّى الرئاسة الدكتور المهندس فيصل سنّو.

وتضم المقاصد حاليا عشرات المدارس في بيروت والبلدات والقرى اللبنانيّة، حيث بلغ عدد طلاّبها مع بداية عام 2000 أربعة وعشرين الف و خمسمائة طالب وطالبة، بالاضافة الى المعاهد والمستشفيات والمراكز الصحيّة والاجتماعيّة المنتشرة من بيروت الى أقسى الجنوب وأقصى محافظة عكّار وأقضية الشمال، غير أنّ هذا التّوسع بدأ ينحسر في السنوات الأخيرة نتيجة الأزمة السياسيّة والاقتصاديّة الّتي مرّ بها لبنان و تراجع المساعدات العربيّة عن المقاصد وبقيّة المؤسّسات الاسلاميّة الأخرى.

وعرف عن المقاصد منذ نشأتها أنّها بنت رسالتها التربويّة على ثقافة العيش الواحد بين اللبنانيين، واستقبلت في مدارسها ومعاهدها، ومستشفياتها وجامعتها وكل مؤسّساتها أبناء المسلمين واللبنانيين جميعا بلا تمييز أو تفريق، وتخرّج من مدارسها و معاهدها قيادات وشخصيّات سياسيّة وقضائيّة وحقوقيّة وطبيّة وتربويّة ساهمت في ترسيخ سياسة بناء الدولة ومؤسّساتها الرسميّة، وكانت ولا زالت المقاصد التوأم لدار الفتوى ومؤسّساتها المتعدّدة، وعندما تتجدّد جمعيّة المقاصد برئاستها ومجلس أمناءها بهذه الصورة الديموقراطيّة والحضاريّة وعندما يسلّم رئيس المقاصد السّابق محمّد أمين الدّاعوق الراية للرئيس الجديد فيصل سنّو يردّد على مسامع المقاصدييّن القول: «نحنا المقاصديون نذرنا أنفسنا لنكون مواطنين صالحين، مؤمنين بالله وبوحدة وطننا لبنان». ويؤكّد الرئيس الجديد هذا المعنى بأنّه سيكمل الرسالة والمهمّة مع رفاقه لتبقى المقاصد ومؤسّساتها المؤتمنة مع المؤسّسات الأخرى على سيادة لبنان وحريّة أبناءه وعروبته.

والحدث المقاصدي بمقدار ما هو حدث بيروتي، فهو مكان اهتمام ومتابعة وطنيّة وعربيّة لأنّ سلامة المقاصد هي من سلامة لبنان، ولبنان كان وسيبقى ثغراً عربياً مهماً على شاطئ البحر المتوسّط عصيا على الابتلاع والتّمحور مع أي مشروع اقليمي يتناقض مع المصلحة الوطنيّة ومصالح الوطن العربي الممتد من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي.

وينتظر اللبنانيّون وكل محبي المقاصد من الرئاسة الجديدة للمقاصد الانتقال من مرحلة الصمود الى مرحلة الابداع والتطوّر والنمو والانتشار، لأن المقاصد هي هويّة العاصمة بيروت ورسالة المسلمين واللبنانيّين، وهي الوجه الحضاري للوسطيّة و الاعتدال الّتى دعا اليها الاسلام في مواجهة التّطرف والغلو الّذي بدأ يغزو مجتمعاتنا ومشرقنا العربي بسبب خطورة المشروع الصهيوني التلمودي المحتل لفلسطين وقدسها، وجموح وجنون المشروع الصفوي الفارسي الّذي يهدّد عواصمنا وحواضرنا العربيّة والاسلاميّة.