IMLebanon

لا رحمة إيرانيّة بلبنان واللبنانيين!  

 

 

لا تفسير منطقياً لحجم الضغوط، التي لا تحتمل، التي تمارسها “الجمهوريّة الإسلاميّة” على لبنان واللبنانيين سوى الضعف الإيراني. ضعف عائد أوّلًا إلى عوامل داخليّة في مقدّمها الفشل الاقتصادي. صحيح أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” تسيطر على أربع عواصم عربيّة وتتحكّم بها. لكنّ الصحيح أيضاً انّها عاجزة عن الإقدام على أيّ خطوة ذات طابع إيجابي، لا في بغداد ولا في دمشق ولا في بيروت… ولا في صنعاء. تبقى المشكلة الأساسيّة، إلى إشعار آخر، في طهران نفسها وليس في أيّ مكان آخر.

 

تقدّم الخراب، في العراق وسوريا ولبنان… واليمن، على كلّ ما عداه. هل يحصل تغيير في إيران كي يعود بعض الأمل في عودة الحياة إلى بلد مثل لبنان، أم فات أوان أي رهان على تحسّن، مهما كان بسيطاً، وأنّ لبنان الذي عرفناه، في ضوء تغيير هويّة البلد، صار جزءاً من الماضي؟

 

في بلد مثل لبنان، بات من الصعب الرهان على مستقبل أفضل. ثمة واقع لا يمكن تجاوزه في بلد فقد كلّ مرجعياته السياسية بعدما أصبحت إيران تقرّر من هو رئيس الجمهوريّة اللبنانية. أكثر من ذلك، تتحكّم إيران بالحكومة اللبنانية. تقرّر هل من مجال لتشكيل حكومة، وما إذا كان مسموحاً لمثل هذه الحكومة أن تجتمع أم لا؟…

 

في المدى المنظور، يستحيل حصول أي تغيير في لبنان ما دامت “الجمهوريّة الإسلاميّة” تمسك بكل مقاليد السلطة في البلد نتيجة جهود دؤوبة مستمرّة منذ سنوات طويلة. توجت هذه الجهود بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة تمهيداً لتغيير طبيعة النظام وطريقة العيش في لبنان. لم يأتِ ذلك من فراغ، بل كان نتيجة سلسلة من الانقلابات والاغتيالات. تشكّل هذه السلسلة حلقات مترابطة بدأت تظهر مفاعيلها على الأرض مع دخول “العهد القوي” سنته السادسة والأخيرة، أقلّه بموجب الدستور.

 

في الذكرى الـ16 لاغتيال جبران تويني، تشهد “الساحة” اللبنانية مفارقة تعكس عمق الحال الانقلابيّة التي يمرّ بها البلد. تتمثّل هذه المفارقة في ملاحقة النائب السابق فارس سعيد قضائياً بناء على شكوى من “حزب الله” . تتضمن الشكوى اتهامات إلى سياسي لبناني نقيّ بعيد كلّ البعد عن أيّ توجّه طائفي أو مذهبي بـ”تهديد السلم الأهلي”. في المقابل لا توجد ورقة واحدة في ملفّ اغتيال جبران تويني…. بل، توجد كلّ الأوراق المطلوبة في ملفّ الدعوى المقامة على فارس سعيد!

 

آن أوان حصول التغيير الكبير والنهائي في لبنان عبر إيجاد وضع “شرعي” لسلاح “حزب الله” الإيراني. هذا ما يفسّر الحملة على اتفاق الطائف. عملياً، مطلوب تبييض السلاح الإيراني في لبنان سياسياً، أي تحويله إلى السلاح الشرعي الذي يتحكّم بلبنان. يحصل ذلك كلّه في وقت ليس مسموحاً إجراء تحقيق في العمق في جريمة في حجم تفجير مرفأ بيروت. يبدو واضحاً أنّه ليس في استطاعة القاضي طارق البيطار طرح الأسئلة الجدّية المتعلقة بالجهة التي خزنت نيترات الأمونيوم في أحد عنابر مرفأ بيروت. ليس مسموحاً، في طبيعة الحال، معرفة من كان يحمي ذلك العنبر، طوال سنوات، ومن كان يستطيع إخراج كميات من نيترات الأمونيوم منه بين حين وآخر كي تستخدم في الحرب على الشعب السوري.

 

ينتظر لبنان في السنة الأخيرة من “العهد القويّ”، الذي هو عهد “حزب الله”، موعد تنفيذ الحلقة الأخيرة من المسلسل الانقلابي الذي بدأ فعلياً باغتيال رفيق الحريري، ثم خروج الجيش السوري من لبنان ليحلّ الاحتلال الإيراني مكان الاحتلال السوري. حققت إيران في فترة وجيزة انتصارين لها عبر “حزب الله”. أولّهما ملء الفراغ الأمني والعسكري الناجم عن الانسحاب السوري في نيسان 2005 والآخر حرب صيف 2006 التي أسفرت عن انتصار للحزب على لبنان تمهيداً لغزوتي بيروت والجبل في أيّار 2008.

 

يتوقع أن تكون السنة 2022 سنة استكمال لعملية تتويج الانتصار الإيراني على لبنان. لم يعد مستبعداً أن تكون السنة المقبلة، التي تبدأ بعد أسبوعين أو ثلاثة من الآن، سنة الفراغ على كلّ المستويات بدءاً بموقع رئيس الجمهوريّة. ستكون سنة إعداد “الساحة” لقيام نظام جديد في لبنان يغيّر الهوية التي رافقته طوال قرن كامل إقليمياً وداخلياً… كي يكون ضاحية فقيرة من ضواحي طهران.

 

ستكون أيضاً سنة تكريس العزلة العربيّة للبنان، اللهمّ إلّا إذا حصل تغيير كبير في إيران نفسها. يؤكّد العزلة اللبنانيّة الإصرار الإيراني على تنظيم “حزب الله” لمؤتمر صحافي في بيروت لـ”حركة الوفاق” المحظورة في البحرين بصفة كونها حركة “إرهابيّة”. ليس صدفة انعقاد هذا المؤتمر عشية القمّة الـ42 لدول مجلس التعاون الخليجي. الهدف واضح. لبنان جرم يدور في الفلك الإيراني ليس إلّا وعلى دول مجلس التعاون الست استيعاب ذلك. لا رحمة إيرانية بلبنان واللبنانيين الذين بات عليهم العيش في ظلّ هذا الواقع الذي لن يغيّره سوى تغيير يحصل في طهران وليس في أيّ مكان آخر…

 

ستزداد الضغوط الإيرانيّة على لبنان كلّما زاد الوضع الداخلي الإيراني سوءاً، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.

 

السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلًا أم آجلًا، هل سيكون من مجال لإعادة صياغة لبنان في حال حصول التغيير في إيران يوماً؟

 

نقلاً عن “أساس ميديا”