ليس لدى «محور المقاومة» الممتد من طهران الى بيروت مروراً بصنعاء وبغداد ودمشق سوى «الإنتصارات». الجمهورية الإسلامية منتصرة دائماً على «الأعداء» ومؤامراتهم لدفع الناس الى الشوارع بالخداع. الحوثيون في اليمن منتصرون على الشرعية وحماتها في المنطقة كما على أميركا، ولم يبق أمامهم سوى إلحاق الهزيمة، بعد اللعنة، بإسرائيل. الحشد الشعبي المرتبط بالحرس الثوري الإيراني منتصر على أميركا والأكثرية «بالتزوير» في الإنتخابات، وشباب ثورة تشرين في كربلاء ومدن الجنوب وبغداد. النظام السوري منتصر بمساعدة روسيا وإيران في «حرب كونية» ضده. و»حزب الله» في لبنان منتصر على العدو الإسرائيلي، وعلى «الشيطان الأكبر» الأميركي الذي سيتم طرده من «غرب آسيا»، كما على خصومه في الداخل.
لكن معظم الإنتصارات على الشعوب والناس مهزومة في هذه البلدان في مواجهة الأزمات السياسية والمالية والإقتصادية والإجتماعية. وكل هذه الإنتصارات قادت الى كل هذه الإنهيارات. نسبة الفقر ترتفع في إيران، وتهبط قيمة العملة أمام الدولار بشكل دراماتيكي. هناك الكثير من الصواريخ والمسيّرات، وقليل من القدرة على العيش الكريم لغير الملالي وضباط الحرس الثوري. شعب اليمن يحتاج الى مساعدات غذائية وطبية، حيث صارت الأكثرية تحت خط الفقر والعملة الوطنية تحت الأرض. العراق الغني بالنفط والكثير من الموارد يشكو شعبه من الفساد والأزمات الإقتصادية والمالية وإنهيار الدينار أمام الدولار.
%90 من السوريين الباقين في البلد تحت خط الفقر وفي حاجة الى مساعدات غذائية ملحة. والبقية في بلاد اللجوء. الليرة يقل سعرها بمقدار ما ترتفع أسعار المواد الغذائية وسواها. في لبنان يتسارع الإنهيار، وتتحلل مؤسسات الدولة، وتفقد الليرة نحو 90% من قيمتها، وتشتد الأزمات المالية والإقتصادية والإجتماعية، وتزداد المافيا المتسلطة ثراء، وتقوى الحماية للنافذين الذين سطوا على المال العام والخاص.
ولا أسرار في الأمر. الإنتصارات شكلية. والإنهيارات واقعية. وسوء السياسات يدفع الأوضاع في «محور المقاومة» إلى أزمات عميقة يعالجها المسؤولون عنها بالمزيد من السياسات السيئة. وإذا كانت بقية البلدان في «محور المقاومة» تستطيع إنتخاب رؤساء ومجالس نيابية وتشكيل حكومات، فإن لبنان في شغور رئاسي وشبه شغور حكومي وعطالة في البرلمان. وهو يسمع تذكير المسؤولة عن الشرق الأوسط في الخارجية الأميركية بربارة ليف التي ستزوره بأن «ما يواجهه لبنان أشد خطورة من أزماته السابقة وحتى أشد تعقيداً من الأزمات الإقليمية في الشرق الأوسط». ويسمع الرئيس إيمانويل ماكرون يقول إنه «لا يمكن إيجاد حل لمشكلة لبنان والعراق وسوريا إلا في إطار حوار لتقليص التأثير الإقليمي لإيران».
لكن لبنان يحتاج الى مساعدة في الحل من أميركا، لا الى توصيف الحال التي يعانيها ويعرفها أكثر من السيدة ليف. ويحتاج من فرنسا الى شيء آخر غير السعي لإسترضاء الجهة التي تعقّد الأمور في البلد والمنطقة.
يقول المؤرخ البريطاني أرنولد تويني «إن الحكم الإنتحاري من الأسباب في إنهيار الإمبراطوريات». لكن الحكم الإنتحاري في بلدان المحور «الإنتصاري» يراد له ومنه أن يقود الى قيام إمبراطورية إقليمية. ومرحبا رهانات على أفكار من متحف التاريخ.