Site icon IMLebanon

شهر عسل دائم

 

لم يكن التحليل البديهي لما يجري في المنطقة منذ عملية طوفان الأقصى، ينتظر تصريحاً أو تسريباً لموقف من هنا أو هناك، كي يتأكد المؤكد، والذي يمكن تلخيصه، بأن لا أميركا وتالياً لا إسرائيل وبالتأكيد لا إيران، تريد افتعال مواجهة كبرى في المنطقة.

 

ما نشرته «رويترز»، وبغض النظر عن مصدره والهدف منه، يكرّس هذه الحقيقة، التي تتعزز صدقيتها بعد شهر وتسعة أيام، على أشرس حرب تشنها إسرائيل على غزة، وهي حقيقة يتنفّسها الشعب الفلسطيني كل صباح، فيما هو ينتظر من دون أمل، نجدة عسكرية من إيران.

 

ما يعرفه الفلسطينيون وما لا يريدون تصديقه، أنّ الجمهورية الإسلامية في طهران، ومنذ الولادة الأولى، قامت بإغلاق سفارة إسرائيل، وأهدتها لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتجاوزت ذلك بكثير، فأسست ضمن الحرس الثوري الإيراني، ما سمته «فيلق القدس»، ثم بدأت تحتفل بيوم في السنة، خصصته للقدس.

 

لم تكتف إيران بالاحتفالات المنبرية، بالقدس وبقضية فلسطين. ما احتاجت إليه في حرب الثماني سنوات مع العراق، أخذته، ولو من الشيطان. بموازاة العداء مع «الكيان»، كانت طائرات اسرائيلية تنقل السلاح إلى طهران، التي افتقدت للصواريخ المضادة للدروع ولقطع الغيار. سلاح مولته إدارة رونالد ريغان، من صفقة تزويد ثوار الكونترا في أميركا اللاتينية، كل ذلك مقابل تحرير الرهائن التي تم اختطافها في بيروت لصالح طهران.

 

على الفلسطينيين أن يعرفوا، بأنّ إيران التي خصصت للقدس يوماً ووضعت الأقصى في أول مرتبة الجهاد، حاربت بسلاح اسرائيلي، ولم يكن لديها حرج في ذلك. هذه المعادلة تصلح لتفسير كل هذا الهدوء الإيراني الذي يرافق حرب غزة.

 

بموازاة التصريحات الحماسية التي توعدت تل أبيب بالدمار في سبع دقائق، لم تهتز دولة الملالي، وبقيت على استراتيجيتها التي بنتها منذ العام 1979. بعد حرب العراق، لن تخوض إيران أي مواجهة مباشرة. يكفي استرجاع ما قاله الإمام الخميني، وهو يوافق على قرار مجلس الأمن، بوقف إطلاق النار مع العراق. لقد أعلن أنّ هذه الموافقة هي بمثابة تجرع كأس السم. ايران لا تريد تجرع هذا الكأس مرة ثانية.

 

ربما ما يعزي غزة في هذه المحنة، أنّ لبنان سبق أن ذاق الدعم الإيراني في العام 2006. قاتل «حزب الله» وحيداً، ودمر لبنان من أقصاه إلى أقصاه، فيما كانت إيران تطلق ترسانة مواقف داعمة، طوال ثلاثين يوماً من حرب مدمرة.

 

ربما يعزي غزة، مشهد البنية الإيرانية وهي تقصف لسنوات من اسرائيل، من دون رد ايراني، وربما يعزيها أنّ ايران لم ترد على اغتيال قاسم سليماني، إلا ببعض المفرقعات النارية، ولم ترد اغتيال علمائها في قلب طهران، منتظرة التوقيت المناسب.

 

لكن بالتأكيد لن تلقى غزة العزاء، إذا ما تيقنت أنّ إيران ضبطت علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية على شكل شهر عسل دائم، وغير معلن، ومغلف بعدائية كاذبة، وبخطوط حمر لا يتم تجاوزها. هذا بالضبط ما يضع إيران في موقع المتفرج على غزة، لأنّ الأولويات هي واقعياً، على نقيض جذري مع العنتريات.