ليست المرة الاولى التي تُفجع الجمهورية الاسلامية الايرانية يفقد رئيسها ابراهيم رئيسي والوفد المرافق لها، ومنهم وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان، بحادث جوي هبطت فيه الطائرة التي تقلهم في احدى الغابات عند الحدود الايرانية – الاذرية، حيث تجري التحقيقات لمعرفة اسباب الحادث الذي يُرجح انه بعامل الطقس.
فقبل نحو 34 عاماً، قُتل رئيس الجمهورية محمد علي رجائي مع رئيس الوزراء محمد جواد بهنار في عملية تفجير سقط فيها عشرات الضحايا، وبعد اقل من شهر على انتخاب رجائي في 2 آب 1981، واغتيل في 30 آب من العام نفسه، وتبنت منظمة “مجاهدو خلق” العملية، بعد ان سعت مع اول رئيس للجمهورية ابو الحسن بني صدر بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران في العام 1979 الانقلاب عليها، لكن المحاولة فشلت، وتم عزل بني صدر في 22 حزيران 1981، ليخلفه رجائي الذي لم يتسلم رئاسة الجمهورية، التي وصل اليها السيد علي خامنئي لدورتين، ليخلف المرشد العام للثورة الاسلامية الامام الخميني الذي توفي عام 1989.
فايران تمر باحداث وازمات داخلية منذ الاطاحة بشاه ايران، ورفع شعار “اميركا الشيطان الاكبر”، و “اسرائيل” غدة سرطانية يجب اقتلاعها، كما وصفها الامام الخميني، الذي دعا الى “يوم القدس العالمي” بعد ان تبنى قضية فلسطين واقام سفارة لها، بعد ان ازال السفارة “الاسرائيلية” وطرد طاقمها وقطع العلاقات معها، وبدأ يتكون “محور المقاومة” منذ بداية ثمانينات القرن الماضي. فحضر قادة من “الحرس الثوري الايراني” الى لبنان، وتشكلت “المقاومة الاسلامية” بعد الغزو الاسرائيلي للبنان في حزيران 1982، وقامت بعمليات ضد الاحتلال الاسرائيلي، والتي كانت المقاومة الوطنية المكونة من احزاب “السوري القومي الاجتماعي” و”الشيوعي” و”منظمة العمل الشيوعي” وحزب “البعث” و “المرابطون”، قد بدأتها بعد حوالى شهر من بدء اجتياح الجيش “الاسرائيلي” للبنان.
ودخلت الجمهورية الاسلامية الايرانية الى لبنان من باب “المقاومة الاسلامية”، وذراعها السياسي حزب الله الذي اعُلن عنه في العام 1984، وبدأ بالمقاومة التي تطورت كما وعديدا ونوعاً بالسلاح، وتمكنت من طرد الاحتلال الاسرائيلي وبقاء سلاح المقاومة.
ومع استشهاد رئيسي، بدأت التحليلات ووضعت “السيناريوهات” حول ما ستؤول اليه الاوضاع في ايران، وهل ستشهد صراعات على السلطة، ومن سيخلف رئيسي، ومن سيحل لاحقا مكان المرشد العام الخامنئي، وماذا عن موقع ايران في المنطقة، وهل ستتغير سياساتها؟
اسئلة مشروعة ان تُطرح بعد حدث جليل، لكن ايران ينظم مؤسساتها دستور، لجأ اليه المسؤولون، يقول مصدر ديبلوماسي ايراني: فقد سبق ان تعرضت الجمهورية الاسلامية لاحداث، وخاضت حرباً مباشرة مع العراق، وحصاراً اميركيا وغربياً وعقوبات، لكنها استمرت ثابتة على مواقفها، وقوّت وجودها السياسي والعسكري مع حلفاء لها، وكانت فلسطين هي الاساس، والعداء ل “اسرائيل” هو العنوان.
فالسياسة الايرانية ستبقى على مبادئها الاساسية، في دعم حركات المقاومة ضد الكيان الصهيوني الغاصب، يقول المصدر، الذي يؤكد على اعتزاز بلاده بحلفائها الذين ليسوا وكلاء ايران كما يصفهم الخصوم بل هم شركاء، وابرزهم حزب الله في لبنان، الذي تعود العلاقة معه الى بدايات قيام “الجمهورية الاسلامية”. ولان ايران ليس لها اتباع، تحالفت مع قوى المقاومة وهي ثابتة على نهجها، لان من يكون رئيس الجمهورية فهو مؤمن بالثوابت. قد يحاول البعض الحديث عن صراع بين “محافظين و “اصلاحيين”، وقد يكون هذا موجوداً من ضمن آراء وافكار لها علاقة ببناء الدولة وتطوير مؤسساتها، او تليين مواقف في السياسة الخارجية، واظهار مصالح ايران، انما ما هو ثابت فهي فلسطين ومقاومة العدو الاسرائيلي، والتصدي للمشاريع الاميركية والغربية التي تقف الى جانب “اسرائيل”، او تريد الهيمنة على المنطقة، ونهب ثرواتها ورسم خارطة لها، وفق ما يخدم مصالحها.
فمع غياب رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية بحادث مؤلم، فان المؤسسات الدستورية انتظمت، وسياسة ايران ثابتة مع حلفائها، وان لبنان الذي لها فيه حلفاء، لن يحصل في العلاقة معهم اي تغيير، كما يحاول الخصوم ان يروجوا بان ايران في مأزق داخلي، وستشغلها الصراعات الداخلية على السلطة. هذا كله خارج الواقع يقول المصدر، الذي يؤكد ان في السياسة اساليب وقراءات، ومنها ما حصل من انفتاح وتطور للعلاقات بين السعودية وايران، ونتائجها ايجابية بابعاد المنطقة عن صراع المحاور الذي طريقه فلسطين.
وليس لايران سياسات، بل لها قراءات في العلاقات الدولية والاقليمية، تبنيها على ما يعزز الامن والسلام، وهذا ما تقوم به مع دول الخليج. وهي ثابتة في لبنان على دعم المقاومة كما في فلسطين، ولا تتدخل في الشأن السياسي اللبناني، لان لها فيه اصدقاء يعرفون مصلحة بلدهم، وهذا ما يفعله حزب الله وحلفاؤه في لبنان، وهم يمثلون فيه خط المقاومة، الذي لا يتبدل سير الجمهورية الاسلامية عليه، مع تبدل ثمانية رؤساء، لان قرار المرشد العام منذ الامام الخميني الى الخامنئي، هو فلسطين الجسد و”اسرائيل” سرطانه.