لا استثناءات من القاعدة التي نتعلمها من دروس التاريخ. كل مقاومة في أي بلد كانت حدثاً طارئاً بسبب ظروف وانتهت بانتفاء الظروف. مقاومة الإحتلال تنتهي بعد التحرير. مقاومة النظام تنتهي بسقوط النظام وتصبح سلطة. وحدها المقاومة الإسلامية في لبنان أُريد لها أن تكون الإستثناء بعد التحرير. فهي، كما قال نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم جاءت بسبب “مبدأ لا ظرف، والمبدأ لا يتغير وإن تغير الظرف”. وهي جزء مما سمته صحيفة “كيهان” الإيرانية “جبهة المقاومة” في المنطقة. و”من دون جبهة المقاومة لن يكون هناك العراق ولا سوريا ولا لبنان ولا اليمن ولا إيران”. أما فيلق القدس، فإنه “حكومة خارجية لدول جبهة المقاومة”.
وليس قول الشيخ نعيم قاسم “إن لبنان المقاومة والإنتصارات هو ما يريده “حزب الله”، فمن أراد إلتحق به ومن لم يرد فليبحث عن حل آخر” سوى إكمال لفكرة المقاومة الدائمة المرتبطة بـ”ولاية الفقيه”. فالثابت هو المقاومة الإسلامية والمتغير هو لبنان. والهدف هو أن يصبح لبنان جزءاً من مشروع “ولاية الفقيه” الذي تقوده إيران. وهو بالطبع مشروع إمبراطوري نواته بلدان العالم العربي في انتظار “حكم العالم” بعد ظهور المهدي المنتظر. فحين ترجم المرشد الأعلى علي خامنئي كتاب سيد قطب “المعركة بين الإسلام والرأسمالية”، فإنه كتب مقدمة قال فيها: “حكومة العالم يجب أن تكون في يد مدرستنا، والمستقبل للإسلام”. وليس حكم العالم سوى مشروع لتصحيح التاريخ والوعد بإقامة ما ينطبق عليه تعبير “الوعد بماض أفضل”.
جوهر المشروع هو إقامة دولة دينية مذهبية في القرن الحادي والعشرين تختلف عن دولة الخلافة الراشدة حتى أيام الإمام علي في القرن السابع. فلا دولة الخلافة كان الحكم فيها لرجال الدين، ولا بالطبع الدولة الأموية بعدها ثم الدولة العباسية. وهي كانت شبه دولة مدنية. ولا أحد يعرف كيف يمكن أن تحكم دولة دينية مذهبية العالم العربي بأكثريته السنية وتنوعات طوائفه ومذاهبه، ولا سيما في العراق وسوريا ولبنان قبل الحديث عن حكم العالم في قرن التطور العلمي والإقتصادي والثقافي والإجتماعي وسقوط الإيديولوجيا وصعود جيل التكنولوجيا. ولا أحد يجهل حال لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران بعد أحاديث “الإنتصارات” والمفاخرة بالصواريخ والمسيّرات وسط أعمق الأزمات الإقتصادية والمالية والإجتماعية والعزلة العربية والدولية.
وليس من باب القوة أن يطلب “حزب الله” من المختلفين معه الرحيل عن البلد. فالحزب الذي هددنا بمئة ألف مقاتل يعرف أنه لا يستطيع حكم لبنان بميليشيا مذهبية، ولا إدارته بالعداء للعرب والغرب. وخيار اللبنانيين ليس الرحيل عن “الوطن النهائي”. ومن الوهم تصور لبنان على صورة المسؤولين الخانعين.
التحدي كبير جداً. ولكن “كلما عظم التحدي إشتد الحافز” كما قال المؤرخ الكبير أرنولد توينبي.