Site icon IMLebanon

غطرسة القوة و”مكر التاريخ”

 

 

السابقة ليست شكلية حتى في الإخراج المحرج للمرشح. وليس إقدام “الثنائي الشيعي” على تسمية الوزير سليمان فرنجية مرشحاً لرئاسة الجمهورية قبل أن يعلن ترشحه مجرد إعلان لخيار رئاسي معروف سلفاً. فلم يحدث في تاريخ الإنتخابات الرئاسية في لبنان أن بادرت قوى شيعية أو سنية الى ترشيح شخصية مارونية تعترض على إنتخابها الأحزاب المسيحية الأساسية، ومن دون تفاهم أو تنسيق مع مرجعية بكركي. ولا مرة كانت “الرسالة” في الجوهر الى هذا الحد، وموجهة الى عناوين عدة في الداخل والخارج. موجز “الرسالة” أن الدنيا تغيرت في لبنان ومن حوله. موازين القوى تبدلت. ولبنان “النموذج” القديم صار من التاريخ ليحل مكانه “نموذج” آخر تقدمه القوة التي تصنع التاريخ.

 

ذلك أن منطق الفريق “السيادي” هو أن لبنان “اللبناني والعربي” مهدد بالتحول الى “لبنان الإيراني”. ولبنان “الرسالة” في نظر الفاتيكان يواجه خطة لتغيير هويته وتاريخه وموقعه ودوره: من جسر لقاء بين الشرق والغرب الى ملحق يدور في فلك الشرق. ومن “شرفة جميلة في المبنى العربي” و”مختبر للأفكار والثقافات” الى زنزانة في السجن الإستبدادي الكبير. من “سويسرا الشرق” الى “صومال” سياسي وإقتصادي. ومن “البلد-الحاجز” أمام العنف والحروب الى “البلد-الساحة” لكل الصراعات والحروب. والمهمة بالنسبة الى هذا الفريق هي مواجهة هذا التحول ومنعه والحفاظ على خصائص لبنان وهويته، وإستعادة دوره العربي وريادته الثقافية، والتمسك بالحرية والإستثناء في دولة حق وقانون هي مغامرة في هذا الشرق.

 

لكن منطق “محور الممانعة” هو أن هذا حديث من الذاكرة وحنين الى لبنان خيالي وهروب من لبنان الواقع. فالتحول الذي يقاتله “السياديون” على طريقة دون كيشوت حدث ويكاد يكتمل. ولبنان اليوم هو لبنان “المقاومة الإسلامية” التي هي أشمل من كونها مقاومة لأي إعتداء إسرائيلي. مقاومة ضمن “محور” هو: “أهم إنجاز للثورة الإسلامية” كما كتبت صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد الأعلى علي خامنئي. “محور بقيادة إيران سيستمر بالعمل في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين حتى ظهور الإمام الغائب وتشكيل حكومته” حسب الجنرال إسماعيل قاآني قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري.

 

وأبسط ما قاله المسؤول في “حزب الله” الشيخ نبيل قاووق مؤخراً أن “الأولوية لدى فريق التحدي والمواجهة هي لأخذ البلد الى مغامرة جديدة والإنقلاب على التوازنات السياسية الداخلية للإمساك بالبلد وتغيير هويته وموقعه ودوره في المنطقة”. أي أن الحرص على هوية لبنان وتاريخه ودوره صار إنقلاباً على الهوية الجديدة للبلد ودوره في محور المقاومة. فالمقاومة الإسلامية، لا لبنان، هي المحور الذي تدور حوله الأمور. من الرئاسات الى السياسات والقرارات والمواقف.

 

وتلك هي المسألة والمعركة الأساسية. فلا من السهل أن يصبح لبنان مجرد مساحة جغرافية لخدمة المقاومة الإسلامية. ولا حسابات موازين القوى ضيقة ومحصورة بالعدد والسلاح وغير قابلة للتغير ومحكومة بالعزلة عن المنطقة والعالم. ولا بقية اللبنانيين “موتى على الدروب تسير” كما في قصيدة لبدوي الجبل. ومن الوهم التصور أن هناك قوة محصنة ضد ما سماه هيغل “مكر التاريخ”.