لا مفاجآت في لبنان حتى على صعيد الفوضى وفلتان السلطة وتكريم اللصوص وحمايتهم. وليس ما كشفه إنقلاب شاحنة «حزب الله» على كوع الكحالة سوى المعروف الذي صار مألوفاً: طريق السلاح الإيراني الى المقاومة الإسلامية. توسع نفوذ «حزب الله» وهيمنته على مراكز السلطة. وتنامي الإعتراض على سياسة «حزب الله» والدور الإقليمي لسلاحه، وتحميله لبنان أعباء «وحدة الساحات في محور المقاومة» بقيادة إيران، كما على بقاء السلاح خارج الشرعية ومظلته فوق السلاح الفلسطيني خارج ميدانه، ثم السعي لتشتيت الدور السني وخرق الدورين الماروني والدرزي. لكن كل شيء بقي في مكانه. لا تغيير في جوهر الأزمة. ولا تراجع حتى في المناخ الطائفي المتشنج الذي ارتفع منسوب التشنج فيه الى الحد الأقصى، وظل مخيفاً وسخيفاً في آن.
ذلك أن لبنان والشرق الأوسط في حال شاحنة ذخائر منقلبة على «كوع» تحولات كبيرة. مشكلة لبنان أنه محكوم بالجمود من دون حركة على كوع التحولات التي قد تأتي على حسابه. ومشكلة المنطقة أنها متحركة أكثر من اللزوم وأبعد من قدرة بلدانها على التأثير في التحولات، بصرف النظر عن التأثر بها. فلا الفراغ في الوطن الصغير هو مجرد شغور رئاسي صار في شهره العاشر ويراد له أن يكون محطة على طريق لبنان آخر برئيس يختاره «حزب الله». ولن يتغير الكثير ولو جاء رئيس آخر إن لم تدعمه كتلة شعبية تاريخية تعمل لتغيير اللعبة واللاعبين. ولا الصراعات والتفاهات وحتى الحروب في المنطقة تقود الى تسويات مريحة تشمل لبنان، إن لم يكن للعرب دور كبير ومؤثر على المسرح العربي الذي تلعب فوقه ثلاث قوى إقليمية هي تركيا وإيران وإسرائيل، وسط أدوار أميركا وروسيا والصين وأوروبا.
وما يحتاج إليه اللبنانيون في البدء هو إدراك الطرف القوي أو المستقوي أن القوة لها حدود، وإدراك الطرف الضعيف أو المستضعف أن الضعف له حدود على طريقة الجنرال ديغول القائل: «أضعف من أن ينحني». أميركا عرفت في أفغانستان والعراق حدود القوة. الصين تعرف حدود القوة حتى في إستعادة تايوان. روسيا اكتشفت حدود القوة في حرب أوكرانيا. كذلك فعلت تركيا وإسرائيل. أما إيران والفصائل المرتبطة بها وأهمها «حزب الله» فإنها لا تزال تتصرف كأن القوة بلا حدود. كل الخطاب على «الإقتدار» والأسلحة الصاروخية المتطورة. وكل العمل للتمكن من السيطرة الكاملة على اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
القوة ليست بالسلاح وحده. ونقطة القوة التي يراها «حزب الله» في المقاومة الإسلامية وتراها طهران في مشروعها الإقليمي هي نفسها نقطة الضعف. كلما سادت «المذهبة والأقلمة» هوية المقاومة ودورها، توسع الإعتراض عليها. وكلما اعتمد المشروع الإقليمي الإيراني على المكون الشيعي في المنطقة، زاد الإبتعاد منه والإعتراض عليه لدى الأكثرية في العالم العربي.
يقول المرشد الأعلى علي خامنئي:
«يجب التركيز على الخط الفاصل بين العالم الإسلامي وعالم الكفر والإستكبار». لكن العالم يتجه على العكس نحو التعاون والتسامح والتكامل وهدم الجدران والخطوط الفاصلة.