إلى الحرب… كما في الحرب
بين 18 و25 تشرين الأول الماضي، استنفرت المقاومة الإسلامية جميع وحداتها في مختلف مناطق انتشارها، داخل لبنان وخارجه. عدد هائل من المقاومين، من القوات النظامية أو قوات التعبئة، التحقوا بنقاط عملهم المقرّرة. وحدات الرصد كثّفت من عملها، وتمّ نشر الوحدات القتالية حيث يفترض أن تؤدي دوراً مركزياً، بينما كانت الوحدات الاستراتيجية تقوم بالتموضع العملياتيّ الذي يجعلها في حالة الخدمة المباشرة متى صدرت الأوامر. ودخل الباقون، من العاملين في مختلف صنوف خدمات الدعم القتالي (دعم، اتصالات، إسعاف حربي، إلخ)، مروراً بالمشرفين على آليات العمل في غرف العمليات، في حالة جهوزية وصلت إلى حدّ إخلاء عدد كبير من المراكز. كلّ ذلك حصل بصمت، بضجيج لم يلتفت إليه إلا المعنيون، وبعض من صار يفهم بلفتة أو حركة عابرة، أن هناك حالة طوارئ قائمة.
قرار الاستنفار، الذي جعل الجسم العسكري للمقاومة الإسلامية في وضعيّة مناورة واقعية، اتُّخذ عشية بدء قوات كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي مناورة دفاعية رفيعة المستوى في مساحة واسعة من شمال فلسطين المحتلة، وهي مناورة «السهم الفتّاك» التي اتخذت من الجبهة الشمالية عنواناً مركزياً لها. والجبهة الشمالية في عرف العدو العسكري، هي المنطقة التي تشمل كلّ حدود فلسطين الشمالية في لبنان وبحره وسوريا وجبالها. منذ ما بعد تحرير عام 2000، يتعامل العدو بطريقة مختلفة مع الجبهة الشمالية، وبعد فشله في حرب عام 2006، صار الربط عضوياً بين الجبهتين السورية واللبنانية. في كيان العدو، ثمة مَن صار يتحدث عن الحرب المقبلة باعتبارها «حرب الشمال الأولى» وليس حرب لبنان الثالثة.
لكن الذي ربما لا يعرفه الجمهور عندنا، يعرفه العدو، بأجهزة استخباراته العسكرية والتجسّسية، كما قياداته العسكرية، الذين شاهدوا استنفار المقاومة وتلقّوا الرسالة. فهذه المرة، سعت المقاومة من خلال بعض الخطوات الى إفهام العدو قصداً، أنها في حالة جهوزية قتالية جدية، إن هو فكّر بالقيام بعمل خارج المألوف، أو حاول اتخاذ المناورة ساتراً لعدوان ما.
ربّما ليس معلوماً أيضاً، أن مناورة «السهم الفتّاك» جاءت كتتويج لسلسلة تدريبات صامتة استمرت أسابيع عدة، واشتملت على مناورات متنوّعة تخصّ ساحات عدة. لكن ما أُنجز قبالتنا، شكّل الجزء البري والأخير. ومع ذلك، فإن كل هذه المناورات كانت تحت نظر المقاومة الإسلامية، وهي لم تكن أصلاً بعيدة عن المعرفة المسبقة بنوايا العدو. وميزة المقاومة الإسلامية في لبنان عن بقية أعداء إسرائيل تكمن في نضج جاء ثمرة تراكم خبرات وعمل أربعة عقود جعلت حزب الله يفهم العدو عميقاً جداً.
ثالوث كوخافي
نظريات عسكرية كثيرة أطلقها الذين تعاقبوا على قيادة جيش الاحتلال في السنوات الـ15 الأخيرة. الثابت الوحيد فيها كان ولا يزال التهديد بضربات فتّاكة لقواعد المقاومة وبيئتها المدنية والبنية التحتية للدولة اللبنانية كعقاب على عدم نزع سلاح حزب الله. لكنّ النقاش لا يخص الحافزية والأسباب الموجبة للحرب الشاملة. المسألة هنا أن في إسرائيل مَن يرفع الصوت كلّما تحمّس البعض للحرب الشاملة سائلاً: هل لديكم اليقين بنصر حاسم وسريع وواضح؟
اللاجواب على هذا السؤال، لا يمنع العدو من استمرار العمل على فكرة الجهوزية الكاملة. لكنّ التعديلات الجوهرية تتصل بالمدى الزمني لهذا النوع من الجهوزية. نحن أمام جيش كبير، وأمام تركيبة عسكرية معقّدة، ووحدات قتالية ولوجستية ضخمة، وأمام عديد كبير جداً. ما يعني أن الجهوزية تحتاج إلى تبدّل جوهري في آليات العمل اليومي عند العدو. ولذلك، كان رئيس أركان جيش العدو افيف كوخافي واضحاً خلال كلامه المتعدّد والمتنوّع الذي قاله أمام ضباطه وجنوده: يجب أن نكون في حالة جهوزية كأنّ الحرب واقعة الآن!
لكن كوخافي يتصرف على أساس أن الجهوزية تستهدف إمّا مواجهة تطور طارئ ناجم عن عمل ابتدائي تقوم به المقاومة ضد أهداف إسرائيلية، أو مبادرة إسرائيل إلى عمل عسكري يستوجب مواجهة كبيرة، لكنّها أقل من حرب شاملة. وهنا برز إلى الواجهة تعبير جديد هو «الأيام القتالية»، وهو غير تكتيك «المعركة بين الحروب» الذي تستخدمه قوات العدو لتنفيذ عمليات قصف واغتيالات وتخريب ضد جبهة المقاومة. أما فكرة «الأيام القتالية» فلها معنى آخر في العقل العسكري للعدو.
في أيام المناورة، وُزِّع في كيان العدو فيديو لرئيس أركان جيش الاحتلال يتحدث فيه أمام ضباط من القوات العاملة في البرّ. الخطاب لم يُقَل في هذه المناورة بالتحديد، إلا أن مضمونه يلخّص تصور كوخافي عن إطار المواجهة التي تحتاج حكماً إلى تدخل القوات البرية المشاركة في المناورة. هو قال: «نحتاج إلى إنجاز عالٍ جداً في وقت قصير قدر المستطاع، لكن مع ثمن منخفض من الكلفة، وهو لا يتمّ من دون دخول بري، والأهم أن عليكم أن تستعدّوا كأن هذا سيحدث غداً».
وقد سبق لكوخافي أن تحدث في أكثر من مناسبة في العامين الماضيين عن نظريته، والتي يمكن وصفها بـ«ثالوث كوخافي». وهي تتضمّن الأضلع الثلاثة الآتية:
– حدّ أقصى من الفتك، أي تدمير الطرف الآخر مادياً وبشرياً.
– حدّ أدنى من الخسائر، في قوات الاحتلال وجبهته الداخلية.
-حدّ أقصر من الوقت لإنجاز المهمة.
المقاومة: لا نعترف بأيام قتاليّة
قائد فرقة الجليل في جيش الاحتلال شلومو بيندر يذهب ليكون أكثر وضوحاً. قال لمراسل «إسرائيل هايوم»: إن المعركة الحقيقية «هي من يتعلّم أكثر وأسرع». فرقة الجليل لم تشارك أصلاً في المناورة. كانت تقوم بمهامّها كالمعتاد. انتشارها ودورها على طول الحدود مع لبنان بقيا في حالة استنفار كما هي الحال منذ أربعة شهور. لكنّ شلومي بيندر يحاكي أهداف المناورة الأخيرة، منطلقاً من أن حزب الله سيردّ بشكل مؤكد على قتل مقاتل له في سوريا. لكنّه يذهب إلى التهديد بردّ قاسٍ قائلاً: «لا أنصحهم باختبارنا من جديد، لأن الرد سيكون غير متناظر مع ما يُتوقع حدوثه. نحن مستعدون جيداً، أيضاً لوضع نضطرّ فيه إلى خوض عدة أيام قتالية. حزب الله سيدفع ثمناً باهظاً». هنا، يصل بيندر إلى الكلمة المفتاح، أي إلى «الأيام القتالية»، وهو يقف عند هدفها المركزي: حزب الله يريد إرساء معادلات وهو ما لا نقبل به.
وبحسب مناورات جيش العدو، فإن فلسفة «الأيام القتالية»، تستهدف عمليات لتغيير قواعد الاشتباك. وهذا يعني في قاموس العدو عدم تقييد حركة قواته في لبنان وسوريا لضرب أهداف تخصّ «التموضع الاستراتيجي» للحزب هناك، كما تستهدف منع المقاومة من مراكمة قدرات في البناء الصاروخي، ولا سيما عملية تحويل الصواريخ إلى صواريخ ذكية تحقق إصابات نقطوية مع فعّالية تدميرية كبيرة. والعقل الاستراتيجي الإسرائيلي يفترض أنه في «الأيام القتالية»، سيوجّه ضربات قاسية جداً تجعل حزب الله يدفع الثمن الكبير وتردعه، من دون أن يقود ذلك إلى حرب مفتوحة.
في المقابل، ثمّة أمور يجب التوقف عندها. فتطور العقل العسكري للمقاومة في العقدين الأخيرين، انعكس نتائج عملانية واضحة على الأرض، تمثل في إزالة قسم كبير من آثار الاحتلال، ومنع تكراره، ثم إفشال حرب قاسية كما حصل في عام 2006. كذلك وفّر منظومة ردعت العدو عن القيام بأعمال عدائية، ليس ضد المدنيين فحسب، بل ضد المقاومة أيضاً. وجرى تثبيت قاعدة مركزية في عقل العدو بشأن حق المقاومة في تطوير قدراتها بما يتناسب مع خططها. ثم جاءت تجربة الحرب السورية لتظهر نتائج التطور المباشر ليس على صعيد القدرات والأدوات القتالية، بل على صعيد العقل الاستراتيجي أيضاً.
بهذا المعنى، فإن العدو عندما يفكر في الأيام القتالية، ينسى أو يتجاهل حقيقة أن حزب الله لم ولن يقبل المسّ بقواعد الاشتباك الحالية. بل أكثر من ذلك، فإن الحزب يعمل على تثبيت قواعد الاشتباك في سوريا وليس في لبنان فقط. وبالتالي فإن السؤال موجّه إلى عقل قادة العدو: هل تعتقدون أن الأيام القتالية ستدفع المقاومة إلى القبول بما لم تقبل به جرّاء الحرب الكبيرة أو المعارك بين الحروب؟
العقل العسكري للمقاومة يتصرّف بحسم مع هذا الموضوع، وأول القرارات، هو إبطال مسبق لفكرة وفلسفة وبنية وهدف «الأيام القتالية». وهذا ما يوجزه المعنيون في قيادة المقاومة بعبارات واضحة: «طبيعتنا لا تسمح بأيام قتالية، وبالنسبة إلينا، الأيام القتالية هي حرب. وبالتالي فإن المقاومة ستخوض هذه الأيام القتالية على أساس أنها حرب، وفي الحرب، تكون الحرب بكل مواصفاتها».
هناك منطق عسكري يردّده قادة العدو (يُكتب بالعبرية: במלחמה כמו במלחמה)، وهو مفهوم ثبّته قادة جيوش أوروبا في القرن السابع عشر، «à la guerre comme à la guerre»، ومعناه بالعربية: «في الحرب كما في الحرب»، وعندما يستخدمه قائد مع قواته فهو يقول لهم: «في حالة الحرب، عليكم إنجاز كل ما هو مطلوب، وتصبح كل الوسائل متاحة، ولا تبخلوا في الخيارات أو الوسائل لتحقيق الهدف… وهذا ما تنوي المقاومة القيام به».
لكن ماذا عن ثالوث كوخافي؟
لا تنكر المقاومة حقيقة القدرات الهائلة لجيش العدو على صعيد القوة النارية التدميرية. وبحسب العقل العسكري للمقاومة، ثمّة إقرار بأن العدو قادر على تحقيق الضلع الأول من ثالوث كوخافي، أي بلوغ الحد الأقصى من الفتك. لكنّ المقاومة تدعو العدو هنا إلى تذكّر، أنه لم يكن أقل فتكاً في كل حروبه السابقة. وفي مراجعة لتاريخ كل حروبه، يظهر بوضوح أن إسرائيل لم تكن زاهدة على الإطلاق في عمليات القصف المجنونة. (أرقام جيش العدو نفسه، تتحدث عن استخدام 173 ألف مقذوف بري فقط خلال حرب عام 2006، والاضطرار إلى إقامة جسر جوي سريع مع الولايات المتحدة لإعادة ملء المخازن). وبالتالي فإن السؤال يصبح: ما هي الإضافة، وماذا يعني المزيد من الفتك، إلا إذا وضع العدو في بنك أهدافه المنشآت المدنية اللبنانية، تلك التي تجنّب قصفها عام 2006 لأسباب سياسية فرضتها الخطة الأميركية للحرب.
لكن إذا كان العدو يقدر على تحقيق الضلع الأول المتمثل في الفتك، فماذا عن الضلعين الآخرين، أي حجم الخسائر في جبهته وفترة الحرب الزمنية؟
تجزم المقاومة، من دون تردد، بأن العدو لن يكون قادراً على الإطلاق، وتحت أي ظرف، على التحكّم بعنصر الوقت. كما سيكون من شبه المستحيل على العدو التحكّم بحجم ردود المقاومة، وبالتالي، التحكّم بحجم الخسائر التي ستقع في جبهته.
وبعيداً عن أي حماسة أو تهويل، فإن المقاومة هي من يتحكّم بضلعَي الوقت والخسائر. وفي هذه النقطة، فإن برنامج عمل المقاومة يشتمل على تصوّر واضح وخاص لكلمة «فتاك»، أي أن على العدو توقّع ردود غير مسبوقة من قبل المقاومة لتحقيق «فتك» لم تعرفه «إسرائيل» أصلاً منذ عام 1948. ومن المفترض أن يكون قادة العدو قد أدركوا المعنى المباشر للمعادلة التي أعلن عنها سابقاً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، عندما رفع شعار «الضاحية مقابل تل أبيب». وهذا له تداعياته على كل الأمور الأخرى في الحرب، بهدف تثبيت المعادلة الأكيدة في قرارات المقاومة لناحية «العمق بالعمق».
ويمكن هنا الاكتفاء بما ينقله إعلام العدو عن قياداته العسكرية والأمنية حول القدرات الصاروخية للمقاومة. لقد توقّف العدّاد منذ مدة طويلة عند رقم 150 ألف صاروخ من أنواع مختلفة. وذهب العدو بعدها إلى الحديث فقط عن الصواريخ الكبيرة ومن ثم الدقيقة. وهو يشير دائماً إلى أنواع من الصواريخ التي تستعرضها القوات الإيرانية ويتصرف على أساس أنها باتت في حوزة حزب الله، وهي من أنواع تغطي، على صعيد المدى، كل مساحة فلسطين المحتلة، وتحمل رؤوساً متفجّرة بزنة تصل إلى 600 كلغ من المتفجّرات، عدا قدرتها على تحقيق إصابات دقيقة مع هامش خطأ لا يتجاوز الأمتار العشرة. وفي حالة الحرب، فإن المقاومة لم تمتلك هذه الصواريخ لتزيّن بها أرض لبنان، والمقاومة لا تخزّن السلاح كما فعلت وتفعل جيوش عربية كثيرة، بل هي تستخدمها متى تطلّب الأمر. وربّما بات معلوماً، أن قيادة المقاومة، وخلال حرب عام 2006، لم تجد نفسها مضطرّة إلى استخدام أنواع من الصواريخ التي كانت تغطي منطقة «غوش دان» وسط الكيان. لكنّ الأكيد أنه في أي جولة مقبلة، سنعود إلى فكرة الشتاء الصاروخي على كلّ فلسطين، وتحديداً على المستطيل الذي كان أشار إليه السيد نصرالله في مقابلة سابقة له، وهو بمساحة تقلّ عن مئة كيلومتر مربع، وفيه قلب وعصب الكيان.
أما لناحية الضلع الثالث المتعلّق بفترة الحرب، فإن العدو يعرف بالتجربة، من كل المواجهات السابقة مع المقاومة في لبنان أن هناك حقيقة ثابتة تقول بأن إسرائيل كانت من يصرخ أولاً. حتى إن قادة العدو يُقرّون بصورة دائمة بأن حزب الله يتميّز بإجادة «لعبة الصبر والاستنزاف»، وأنه كان دائماً صاحب الصلية الأخيرة.
المقاومة والمناورة؟
ليست هي المرة الأولى التي تُجري فيها إسرائيل مناورات ضخمة قبالة لبنان. لكنّ هذه المرة، جاء استنفار المقاومة بدرجة كبيرة ليس خشية من أمور تجهلها حيال نوايا العدو، إنما بقصد البعث برسالة واضحة إلى العدو بأن ما يقوم به من تدريبات ووضع خطط إنما هو تحت نظر المقاومة.
وفي بعض الخلاصات، يتضح أن هناك ثغرة مركزية يواجهها جيش الاحتلال، وأن مصدر الإحباط أو التعب عند العقل العسكري لقيادة العدو يتركّز حول القلق من فعّالية القوات البرية في أي معركة في مواجهة حزب الله. والسبب ببساطة، أن نظرية كوخافي في المواجهة تفترض دوراً مركزياً للقوات البرية. ولذلك حاكت المناورة هدف «تقصير المدى العملانيّ» للقوات البرية في أي خطة عملياتية إسرائيلية. وأن المهمة تُترجَم بوضع حد ضيق للتوغّل داخل الأراضي اللبنانية.
في حروب سابقة، من بينها اجتياح عام 1982، نفّذت القوات البرية للعدو مناورة قتالية أوصلتها إلى تخوم بيروت. لكن ما هو مطروح اليوم أمام القوات البرية، يقتصر على توغّل بعدة كيلومترات فقط داخل الأراضي اللبنانية. وهذا المبدأ يعرف العدو أنه من النتائج المباشرة لحرب تموز، تلك الحرب التي أنتجت حقيقتين عسكريتين عند العدو، أُولاهما، عدم القدرة على حسم الحرب من الجو، والثانية، تتعلّق بانعدام فعّالية القوات البرية لتحقيق الاحتلال والسيطرة.
أمر آخر يتابعه العدو، ولكن ربّما لا يعي حقيقته، وهو متصل بكلام السيد نصرالله مراراً عن أن المقاومة ستدمّر كل فرق العدو البرية التي تتوغّل في الأراضي اللبنانية. وواضح أن العدو صارت لديه صورة، وإن لم تكن مكتملة، حول قدرات المقاومة وخططها لتنفيذ هذا الوعد. ومن يعرف قليلاً عن هذه الخطط يدرك بأن الجهوزية لمواجهة القوات البرية أكبر من أن يتخيّلها أحد.
وفي هذا السياق، تظهر تجارب حرب تموز 2006، وتجارب المعارك المتنوّعة في سوريا، حجم التطور على مستوى العمل المباشر للوحدات القتالية للمقاومة في أرض الميدان. وهذا يُحيلنا إلى الوجه الآخر لمبدأ «الفتك» الذي سيواجهه العدو في حال تورّطه في أي حرب، لأن ما ينتظر فرقه وقواته البرية التي يقول رئيس أركان جيش الاحتلال إنها ستعمل بالضرورة، سيكون أكبر من المُتخيَّل. إذ أن تدريبات ومناورات المقاومة النظرية والعملانية على مدى عقد ونصف عقد، أنتجت أفكاراً ووسائل تشرح المعنى المقصود بعبارات السيد نصرالله عندما يقول جازماً: «إن كل فرقكم البرية ستُدمَّر في حال دخولها إلى لبنان».
ماذا عن تحدّي الجليل؟
في هذه النقطة، يظهر البعد الإضافي للمناورة الإسرائيلية. حيث وضعت على طاولة هيئتها الأركانية وقواتها، مَهمة دفاعية مركزية تقوم على فرضية أن قوات خاصة من حزب الله ستكون مجهّزة للدخول إلى الجليل الفلسطيني المحتل، وهدفها السيطرة على مواقع ومستوطنات. وهنا يضع العدو في حساباته أن المقاومة ستقوم بعمليات أسر وتحويل المستوطنين إلى رهائن. ولذلك، كان قائد فرقة الجليل شلومي بيندر صريحاً بقوله، إن هناك ما لا يقل عن 22 مستوطنة قريبة من الحافة مع لبنان سيتم إخلاؤها في أي مواجهة، ولن يبقى فيها إلا قوات الحماية المحلية (مجموعات شكّلتها مجالس المستوطنات) بالإضافة إلى القوات العسكرية. وبيندر نفسه، لا يحسم مسبقاً القدرة على منع تجاوز المقاومين للحدود. بل هو قلّل من أهمية تعطيل الأنفاق قائلاً: «يقدر حزب الله على الدخول من فوق الأرض إذا تعذّر عليه الدخول من تحتها»!
يبدو العدو لمرة أولى في تاريخه حاسماً لناحية أن المقاومة لا تملك الرغبة أو الإرادة فحسب، بل هي تملك أيضاً القدرة على تحقيق هدف من هذا النوع. والعدو يراجع هنا تجارب العمليات الهجومية للمقاومة في سوريا، وخصوصاً قيام قوات كبيرة أو متوسطة بالسيطرة على مدن كبيرة ومتوسطة أو أحياء في مدن مكتظّة عمرانياً وسكانياً أو حتى الوصول إلى مواقع في تضاريس جغرافية شديدة التعقيد.
خطأ التقدير عند العدوّ
في عقل المقاومة العسكري متابعة لا تقتصر على الجانب الإجرائي من عمل قوات العدو، بل أكثر من ذلك. ويلفت أحد القادة الجهاديين إلى «أمر مستجدّ ومُهم»، قائلاً: «نلاحظ اليوم تبدّل أجيال القادة عند العدو، ويوجد اليوم ضباط كبار يُظهرون جرعة زائدة من المعنويات. هؤلاء ربما يفكرون بأنهم سينجحون حيث فشل أسلافهم. لكننا نعرف أن بعض العقلاء عندهم يُحذرونهم من مغبة التباهي والذهاب إلى حرب. لكن، قد يحصل خطأ في التقدير، وعندها سيواجهون ما لا يتوقّعون».
ويضيف القائد الجهادي: «تمتلك إسرائيل قدرات كبيرة جداً، وهي تعرف الكثير عن المقاومة. ومعرفة الإسرائيليين ببعض الأمور، هي التي تنعكس قلقاً عندهم من بعض الأمور، مثل اقتحام الجليل. لكن هم لا يعرفون كل ما نفكر به نحن، وهناك أشياء كثيرة جداً لا يعرفون عنها أي شيء. يوميات الصراع الدائر، تشرح لنا ما يعرفه العدو عنا، لكنّ الأهم، أننا نعرف العدو بصورة وافية. نعرف كل شيء عن جيشه وقواته، ونعرف أكثر كيف يفكر ونجيد توقّع تصرفاته. لدينا تقديرات دقيقة حول أيّ قرارات سيتخذها العدو، حتى إن لدينا تقديرات بشأن القرارات التي لم يتخذها بعد. وإذا كانت بعض الأوضاع المستجدّة، ستضطره إلى اتخاذ بعض الخطوات، فإن لدينا قدرة على استشراف ما سيقوم به العدوّ. في مكان ما، وبمعزل عن طبيعة الوسائل التي نستخدمها، إلا أننا نعرف عنهم أكثر مما يعرفون عنّا».
القوات المشاركة في «السهم الفتاك»
بحسب المعطيات، فإن مناورة “السهم الفتاك»، تمّت بمشاركة وحدات مختلفة من جيش الاحتلال، التي تشتمل على قوات نظامية وعلى القوات التي تعمل ضمن خانة الخدمة الإجبارية في الجيش. ومن أبرز المشاركين في المناورة:
هيئة الأركان العامة./ قيادة المنطقة الشمالية./ شعبة الاستخبارات./ ذراع الجوّ.
تشكيل الدفاع الجوي:
– الكتيبة 137 (القبة الحديدية).
– الكتيبة 138 (التي تُعنى بتشغيل منظومة الدفاع الجوي «باتريوت»).
– مقلاع داود ــــ أو العصا السحرية (منظومة دفاع صاروخي).
– منظومة «حيتس» لاعتراض الصواريخ.
– تشكيل الطائرات المأهولة عن بعد «كتمام».
– سرب “هناحش هشاحور” (الثعبان الأسود) الذي يشغل طائرات «هرمس 450».
– السرب 200 الذي يشغل طائرات «شوفال».
– قاعدة تل نوف: السرب «مغاع هكساميم» (مروحيّات أباتشي).
– قاعدة رمات دافيد في الشمال بكلّ أسرابها.
– قاعدة نيفاتيم: السرب 140 (طائرات F35i ــــ المسمّاة إسرائيلياً «أدير»).
ذراع البر:
– المركز القومي للتدريبات البرية.
– الفرقة 162 (الفرقة النظامية المدرعة الرقم 2 في الجيش بعد الفرقة 36، وهي من ناور في حرب تموز 2006 داخل وادي الحجير، سواء بلواء المدرعات فيها 401 أو لواء المشاة الناحل 933 وتلقّوا شرَّ هزيمة).
– فوج المدفعية 215، التابع للفرقة 162.
– لواء المشاة الناحل 933، التابع للفرقة 162.
– لواء المدرعات 401 (كتائبه الثلاث 9، 46، 52)، التابع للفرقة 162. (ميركافا 4 ومزوَّدة بمنظومة معطف الريح «تروفي»).
– كتيبة روتم من لواء المشاة غفعاتي 84، التابع للفرقة 162.
– وحدة محاكاة العدو (الوحدة الحمراء).
– كتيبة الهندسة 601 التابعة للواء 401.
ذراع البحر:
– سفن الصواريخ، زوارق سوبر ديفورا، غواصات.
– الشييطت 3 (الفصيلة 33 ).
سلاح الاتصالات والحوسبة
– شعبة الحوسبة والدفاع في السايبر
– قسم حماية السايبر
– منظومة الاتصالات «تْسَيّاد» 750. (الكلمة تسياد هي اختصار بالعبرية للأحرف الأولى من جملة «جيش ــــ بري ــــ رقمي»).
شعبة التكنولوجيا واللوجيستيكا:
– مركز الذخيرة في شعبة التكنولوجيا واللوجيستيكا
وحدات خاصة:
– الوحدة المتعددة الأبعاد (عُتْسْباتْ بِيْزِكْ).
قيادة العمق:
– لواء الكومندوس (مَغْلانْ، دوفدوفان، إيغوز)
«فتاك» لا «قاتل»… وأدرعي!
في سياق الحديث عن المناورة العسكرية للعدو، تداولت كل وسائل الإعلام العربية اسم «السهم القاتل» على المناورة. لكن بعض التدقيق، يكشف أنها ترجمة غير دقيقة وغير محترفة لاسمها العبري «חץ קטלני» الذي يعني بالعربية «السهم الفتاك»، أما صفة «القاتل» التي استخدمها الإعلام العربي، فمردّها الى ما نشره الناطق باسم جيش العدو أفيخاي أدرعي في سياق تغريداته عن المناورة. وأدرعي هذا، يظهر دائماً بصورة «بهلوان» الحرب النفسية لجيش العدو، علماً بأنه يملك إمكانات وفريقاً وهامش حركة. لكن، هل يقيّم قادته ما يقوم به على صعيد وظيفته المصرّح عنها مهنياً، لأنه بالتأكيد ليس هناك في إدارة أجهزة العدو المعنية أغبياء يعتقدون أنه يحقق أي نتيجة مهنية مباشرة، إلا إذا كانت الاستخبارات الإسرائيلية تستخدمه لغايات أمنية، وتتخذه ساتراً للنفاذ الى متابعين له على وسائل التواصل الاجتماعي، وهم بالمناسبة كثر.