حين كتب مدير «Charlie hebdo» السابق فيليب فال كتابه بعنوان reviens,Voltaire, ils sont devenus fous»» ويتحدث فيه عن الاعتداءات على الصحيفة وعليه بعد نشر الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية التي قلبت العالم، ومحاكمة الجريدة، وتصاعد موجة التطرف الديني وضرورة احترام فرنسا لحرية النشر بعيداً عن تأثيرات الدين، اثار موجة من التعليقات المنقسمة بين رافض ومؤيد لموقفه وموقف الجريدة، ليس من الارهاب بذاته، بل من خطر تصاعد التطرف في أوروبا وفرنسا.
يقول فال في كتابه، للذين يرون أن الاعمال الارهابية ردّ على مواقف بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة، «أرفض أن أكون الى جانب القتلة الذين يبررون جرائمهم بأنهم يدافعون عن الفقراء والمضطهدين».
بعد مرور أعوام على قضية الرسوم والكتاب الذي أثار أيضاً ضجة حوله بالتفاصيل التي نشرها، وخروج فال من الصحيفة، وفي أوج النقاش السياسي في فرنسا حول كتاب رواية «soumission» للكاتب Michel Houellebecq عن وصول رئيس مسلم الى قصر الاليزيه، يأتي استهداف الجريدة الساخرة ليعيد طرح الارهاب الاصولي في أوروبا، طبعاً ليس من باب الرد على الرسوم الكاريكاتورية وإعادة نشرها مرة أخرى، إذ لا يمكن التعامل مع الاعتداء الذي لحق بالاسبوعية الفرنسية التي طالما صنعت الاشكالات وتحولت مراراً خبراً بذاتها على أنه حدث فرنسي بحت منعزل عن الموجة الارهابية التي تضرب منطقة الشرق الاوسط وتهدد أوروبا وأميركا.
وتالياً لا يمكن وصفه بأنه رد إسلامي على تعامل الجريدة الفرنسية مع قضية الجهاد الذي أعلنته الدولة الاسلامية التي صعدت من السخرية منه وانتقاده بشدة عبر الرسومات التي قتل الاسلاميون رساميها أمس، وخصوصاً عبر الفيديو الخاص بيوميات ساخرة عن أحد المجاهدين.
ثمة مشكلة أمنية كبرى، لكنها أيضاً مشكلة مجتمع ديموقراطي بدأ يعاني من تداعيات التنظيمات الاصولية، ويناقشها على صفحات الجرائد وفي الكتب التي تتزايد حول نمو هذه الظاهرة. خطورة الاعتداء تكمن في أنه ليس الاول ولن يكون الاخير، ليس ضد الجريدة التي تعرضت مراراً لاعتداءت كان آخرها عام 2011، بوصفها تعبيراً عن الرأي المضاد للجهاديين، بل بوصفه استهدافاً لكل ما تمثله الجريدة الموجودة على أرض إحدى الدول التي تشارك في التحالف الغربي – الخليجي ضد تنظيم «الدولة الاسلامية». فالاحداث الامنية الغريبة بطابعها وعناصرها من كندا الى ألمانيا وفرنسا، لم تكن في الاشهر الاخيرة لتشذ عن إطار عام رسمته «الدولة الاسلامية» في تعاملها مع الغرب « الصليبي». لكن مشكلة أوروبا الامنية تحديداً أنها لا تزال تتعامل مع هذا الخطر، وهي تدفن رأسها في الرمال، على أساس أنه خطر محصور في بلاد الشام، وخصوصاً أن التنظيم المذكور بدأ عمله بدعوة المجاهدين من كل بلاد العالم الى الجهاد في «أرض الدولة» في العراق وسوريا، الامر الذي اعتبرته أجهزة الامن الغربية إبعاداً لشبح الارهاب عن أراضيها على غرار ما كان يفعله تنظيم «القاعدة».
لكن مراجعة ما نشرته مجلة «الدولة الاسلامية» «دابق» أو dabiq بالانكليزية، يوضح تماماً المسار الجديد الذي اتخذه «الدولة» في توجيهات قادته. ففي إحدى الرسائل دعوة واضحة إلى كل جهادي بأن يجاهد حيث هو ضد الصليبيين والاميركيين والفرنسيين وحلفائهم «بضرب رأس أحد هؤلاء بحجر أو طعنه بسكين أو دهسه بسيارة أو رميه من عل أو تسميمه».
وفي رسالة أخرى تتعلق بالحملة «الصليبية» الاخيرة ضد «الدولة» جاء: «من المهم جداً في هذه المرحلة أن تكون الهجومات في كل دولة دخلت التحالف ضد الدولة، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأستراليا وألمانيا، ويجب استهداف رعايا هذه الدول أينما وجدوا. على كل مسلم أن يخرج من منزله ويجد صليبياً ويقتله». وتحدد التعليمات وسائل أخرى ودعوات مختلفة لقتل أعداء الاسلام بسرية وتنفيذ عمليات الهجوم بغتة وبأعداد قليلة من المنفذين. ما حصل في الاشهر الاخيرة في عدد من الدول يعكس تماماً هذه التوجيهات الجديدة التي بدأ «الدولة الاسلامية» يتعامل على أساسها ضد التحالف الغربي وضرباته. وخطورة ما يحصل أنه مكتوب ومنشور في إعلام تنظيم «الدولة»، وليس بعيداً عن متناول أجهزة الاستخبارات الغربية التي لا تزال تتصرف وكأن الارهاب الذي يمارسه «الدولة» هو إرهاب تلفزيوني فقط، عبر الافلام التي يوزعها عن قطع رؤوس وذبح ونحر وتشويه، أو كأن ما حصل أمس هو حرب على حرية التعبير والنشر ليس أكثر.
اليوم وصل الارهاب بمعناه الفعلي الى قلب أوروبا التي كانت لا تزال تكمن في طريقة تعاطيها مع مثل هذه الظاهرة التي بدأت تعكس نفسها على المجتمعات الاوروبية وتمس السياسات الداخلية للأنظمة في هذه الدول. وليس أفضل من ذلك إلا ذلك النقاش الذي يتحول صراعاً حاداً واحتكاكات دورية في ألمانيا، حيث توجد أكبر جالية تركية، حول تصاعد العداء للمسلمين، في ظل التظاهرات التي تعمّ المدن الالمانية الكبيرة، وما نشرته «دير شبيغل» الالمانية أخيراً عن أن 34 في المئة من الالمان يرون تصاعداً في «أسلمة» ألمانيا. هي ألمانيا نفسها التي تناقش منذ أشهر الانتشار الكثيف والضجة الكبيرة حول رواية الصحافي الالماني Timur Vermesعن عودة ثانية لهتلر «look who›s back» وما يجتذبه من تعاطف ألماني مع أفكاره النازية في ألمانيا الحديثة.
من ألمانيا الى فرنسا الى بريطانيا حيث تكثر التجمعات الاصولية، ثمة كتاب واحد ومرجعية واحدة للتنظيم الاسلامي، تتحدث عن التعاليم الجديدة لقتل أعداء «الدولة». وعلى ما يبدو، فإن هذه التعاليم في طريقها الى التنفيذ في أوروبا بعد العراق وسوريا، وفرنسا على قائمة أعداء «دولة الخلافة».