تتفاوت آراء الهيئات الاسلامية حول اعتقال الشيخ أحمد الأسير في مطار رفيق الحريري الدولي، فيرى بعض الذين يدورون في فلك الخط الذي تمثله «هيئة علماء المسلمين» أن الأسير والجيش اللبناني «استُدرجا الى معركة عبرا»، معتبرين أن تلك المعركة «ما تزال تدور حولها علامات استفهام عديدة يجب أن يتم الكشف عنها من خلال الاستماع الى الأسير في التحقيقات التي يجب أن تكون حضارية وتحت إشراف دار الفتوى، لما يمثل الرجل من رمزية دينية».
ويرى أعضاء في «الهيئة» أن الأسير آثر العمل بمفرده طيلة الفترة الماضية، ويشيرون إلى أنه تلقى عروضاً عديدة ليكون من ضمنها ويعمل من خلالها وبتنسيق كامل مع مشايخها، لكنه لم يوافق، ويشيرون إلى أن العلماء لم ترق لهم بعض تصرفات الأسير التي كانت في تلك الحقبة موضع انتقاد، «لكن ما حصل أن قيادات وتيارات سياسية في الدولة كانت تتغزّل بمواقفه وتحاول الاستفادة منها بالسياسة، ما دفعه الى السقوط في الملف الأمني الذي لم يكن لديه أي خبرة فيه».
ولا يخفي أصحاب هذا الرأي أن اعتقال الأسير آلمهم بالرغم من عدم رضاهم على بعض مواقفه، معتبرين أن الدولة لا تظهر «مراجلها» إلا على الطائفة السنية، «في حين هناك مرتكبون من طوائف أخرى اعتدوا على الجيش وأخلّوا بالأمن، ويسرحون ويمرحون من دون حسيب أو رقيب».
وفي هذا الإطار يشدد عضو «هيئة العلماء» الشيخ رائد حليحل لـ «السفير» على ضرورة «فتح ملف أحداث عبرا من كل جوانبه، وصولاً الى معرفة من كان الطرف المستفيد منها»، داعياً «الشركاء في الوطن» الى «عدم اعتبار اعتقال الأسير بأنه نصر، بما يؤدي بهم الى التشفي به وبأهله، لأن من استدرج الأسير الى معركة عبرا هو الذي زج الجيش فيها بالاعتداء عليه». وطالب حليحل الدولة «التعامل مع الأسير كرجل دين وأن تحترم سنه ووضعه الصحي، وأن تتعاطى معه وفقاً للمعايير التي تتناسب وحقوق الإنسان».
لكن هيئات إسلامية سلفية وغير سلفية أخرى ترى أن اعتقال الأسير يمثل «نهاية حقبة كان فيها بعض رجال الدين يُستخدَمون لأهداف سياسية، ومن المفترض أن يكون هذا الاعتقال عبرة لكل من تمّ استخدامه في السابق كي لا يقع في المحظور في مراحل مقبلة».
وتؤكد هذه الهيئات أن «الأسير ليس ضحية، بل هو كان يشكل مشروعاً سياسياً بدعم من تيارات معينة، وعندما لم يُكتب لهذا المشروع النجاح تمّت التضحية فيه، الى أن وقع في يد الأجهزة الأمنية».
وفي هذا الإطار يقول رئيس «جمعية الأخوة الاسلامية» الشيخ صفوان الزعبي لـ «السفير»: «نتمنى أن تركز الدولة في تحقيقاتها مع الأسير على من اخترع ظاهرته وعمل على تسويقها، وعلى كل من استخدمه والى ماذا كان يهدف من وراء ذلك»، مشدداً على أن «الكشف عن المشغّلين وفضحهم ومحاسبتهم، يحمي كثيراً من الشباب السنة الذين ساروا خلف شعارات تحريضية وحملوا السلاح قبل أن يدفعوا الثمن ويكون مصيرهم إما القتل أو السجن».
ويشير الزعبي الى أن «دخول الأسير وغيره من المشايخ في بازار الاستخدام، وقيامهم بزج الشباب فيها، أساء الى صورة المشايخ عموماً، وأفشل مشروع الإسلام القيادي، وجعل شريحة واسعة جداً من هؤلاء الشباب يفقدون ثقتهم بالمشايخ».
وكانت «هيئة علماء المسلمين» أصدرت بياناً أكدت فيه «الحرمة العظمى لكرامة العلماء»، واعتبرت أن توقيف الأسير يؤكد أنّ «الخطة الأمنية لم تطبق إلا على طائفة واحدة هي الطائفة السنية»، متهمة «سرايا المقاومة» بالتورط في أحداث عبرا، ورأت أنه «إذا كان الشيخ الأسير قد أخطأ وتمّ الإيقاع به كي يظهر بصورة الخارج عن منطق الدولة فإنّ هذا لا يعني إسقاط ما نادى به لأشهر عدة لجهة حصر السلاح في يد الجيش اللبناني».
ودعت «الهيئة» في بيانها الى «عدم المساس بكرامة الأسير ومن معه»، وطالبت بـ «لجنة تحقيق مستقلة للبت بأحداث عبرا ومن كان وراءها، كي لا يكون الخصم والحَكَم هما الفريق عينه، وكي لا يكون مصير كل من يلقى القبض عليهم من أهل السنة الموت والتعذيب في أقبية السجون». مطالبة أجهزة الأمن بالقبض على المتّهمين والمشتبه بهم بعمليات اغتيال وتفجيرات «على شاكلة مصطفى بدرالدين ورفعت وعلي عيد، ممن تورّطوا بدماء اﻷبرياء، من اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتفجيري السلام والتقوى في طرابلس وغيرها الكثير، إضافة الى محاكمة الأصوات النشاز التي تثير النعرات الطائفية، وتفتح أبواب الفتنة».
ودانت «الهيئة» الشائعات «التي صدرت من أبواق مأجورة لتزج المخيمات الفلسطينية في أتون الفتنة».