IMLebanon

الإسلاموفوبيا

تتألف هذه الورقة من ست نقاط وخاتمة. أما النقاط الست فهي:

1- في عام 2013 صدر في الولايات المتحدة كتاب عنوانه:

«The Islamamophobia Industry»، المؤلف هو ناثان لين Nathan Lean، رئيس مركز دراسات الاسلاموفوبيا في جامعة جورج تاون (واشنطن). يتحدث الكتاب عن عمل منسق تقوم به مجموعات من:

• السياسيين

• المثقفين

• القادة الدينيين

• الاعلاميين

• الخبراء في التواصل الاجتماعي.

تعمل هذه المجموعات كل جماعة في ميدان اختصاصها وفي دائرة علاقاتها على هدف مشترك واحد. وهو شيطنة الاسلام To demonize Islam.

***

2- قبل أن تتحول عملية شيطنة الاسلام الى مهمة صناعية يقوم بها خبراء واختصاصيون محترفون وصيادو فرص، كانت هذه العملية تتم من خلال هوليود.

فالسينما الأميركية كانت دائماً تشيطن الاسلام عن طريق تصوير المسلم، والعربي تحديداً على انه: زير نساء – مسرف وفاسد – غدار وخائن – لص وكذاب – بشع ووسخ، الخ..

وكان قد صدر كتاب توثيقي حول هذا الموضوع أعده مغترب لبناني في الولايات المتحدة.

***

3- عانى المسلمون عامة والعرب خاصة من هذه العملية الشيطانية لرسم الصورة المشيطنة للاسلام. وفي عام 2003 عقدت قمة اسلامية في ماليزيا بحثت هذا الأمر بناء لاقتراح أمين عام منظمة التعاون الاسلامي في ذلك الوقت الدكتور احسان أوغلو، وهو نفسه مفكر تركي وأكاديمي من طراز رفيع.

استجابت القمة وقررت تكليفه إنشاء لجنة من حكماء المسلمين لوضع ستراتيجية من أجل مكافحة برنامج الشيطنة ووضع برنامج معاكس يقدم صورة حضارية صحيحة عن الاسلام.

شكل الدكتور أوغلو اللجنة. وكنت أحد أعضائها. ودعانا للاجتماع في اسلام أباد – باكستان لوضع هذه الستراتيجية.

هناك تمّ الاتفاق على وجوب اعتماد منطق جديد ولغة جديدة في مخاطبة العالم. يقوم المنطق على الثوابت الإيمانية في الاسلام التي تتعلق بالانسان وحقوقه وكرامته وخلافته لله، وعلى السلام والمحبة والتعاون والتعارف بين الأمم والشعوب.

أما اللغة فتقوم على الحداثة والوضوح والمخاطبة السهلة والمباشرة.

وبنتيجة الاجتماع وضع برنامج تفصيلي للعمل يتوجه الى:

• الجامعات الكبرى في العالم

• المؤسسات الاعلامية

• الأحزاب السياسية

• الحكومات

• المنظمات الدولية

• المنتديات الثقافية.

ولكن هذا البرنامج العلمي بقي مع الأسف الشديد كمعظم مقررات المؤتمرات الاسلامية والعربية حبراً على ورق.

مرة واحدة دعانا الأمين العام السابق للمنظمة الى اجتماع في اسطنبول تحت عنوان واحد وهو: كيف نقاوم الاسلاموفوبيا ؟. وكان ذلك قبل 15 عاماً. وفي هذا الاجتماع تم التوافق على عدد من التوصيات التي طواها النسيان أيضاً. أما الذي حدث بعد ذلك فكان على العكس تماماً.

فبدلاً من إطلاق الحملة الجديدة لمخاطبة العالم بسلام ومحبة وانفتاح وتعاون، انفجرت موجة التطرف وما رافقها ويرافقها حتى اليوم من جرائم ضد الانسانية ارتُكبت وتُرتَكَب باسم الاسلام. وسرعان ما تحولت هذه الموجة (التسونامي) من التطرف الى مصنع ذاتي غزير الانتاج للاسلاموفوبيا:

• القتل على الهوية

• التهجير الجماعي للآمنين

• تدمير دور العبادة من أديرة وكنائس ومساجد ومعابد

• تدنيس المقدسات والاعتداء على أهلها والمؤمنين بها

• تفجير المؤسسات العامة والمباني الخاصة في العديد من المدن..الخ.

• تحطيم الآثار التاريخية التي تروي التاريخ الحضاري للمنطقة العربية.

***

4- ليس صحيحاً ان الاسلاموفوبيا ظاهرة غربية ( أوروبة – أميركية) فقط. لقد تحولت بفعل هذا الارهاب الذي يمارَس باسم الاسلام الى ظاهرة عالمية تشمل آسيا وافريقيا. حتى الى سنغافورة الدولة الصغيرة حجماً والكبيرة اقتصادياً. فقد نقلت مجلة الايكونوميست البريطانية (عدد الأول من آذار 2017) تعليقاً على محاكمة شخص يدعى آموس يي Amos Yee بتهمة استخدام لغة الكراهية ضد الاسلام ونسبت اليه قوله:

«لا تأبه للمسلمين فانهم يتبعون ساحراً سماويا ونبياً يمارس الجنس مع الأطفال». ووصف المسلم المعتدل بأنه «ليس سوى منافق إبن زانية»

“ Don’t mind the Islamics, they do after all follow a sky wizard and a pedophile prophet.. what in the world is a moderate Muslim? A fucking hypocrite. That’s what”.

القضية ليست في هذا الافتراء الكاذب وفي هذه اللغة البذيئة. القضية هي ان الولايات المتحدة منحت صاحبه حق اللجوء السياسي اليها ليس لأنه استُدعي للمحاكمة في سنغافورة بتهمة إثارة النعرات واستخدام خطاب الكراهية، ولكن بسبب مضمون كلامه، وذلك بحجة الدفاع عن حرية التعبير Free speech.

***

أردت من وراء نقل هذه الواقعة ان أبين المدى الذي وصلت اليه كراهية الاسلام والرهاب منه. ان تجاهل تضخم هذه الظاهرة لا يعني انها غير موجودة، ولا يقلل من خطورتها. ان تجاهلها يؤدي الى تفاقمها، الأمر الذي قد يعرّض مسلمي العالم الى ان يصبحوا هدفاً للعداء العنصري – الديني، كما حدث من قبل مع اليهود.

وأقدّم على ذلك مثلاً تاريخياً من هولندة. فرئيس حزب الحرية غيرت فيلدرز الذي طالب في حملته الانتخابية بطرد المسلمين من هولندة وإقفال المساجد باعتبار ان المسلمين لا يؤمنون بالله ويشكلون خطراً على القيم الأوروبية، سبقه الى مثل هذا الموقف في عام 1630 اللاهوتي الكالفيني جيسبر فويت الذي تبوأ فيما بعد عمادة جامعة أولتريخ. فقد نُسب اليه قوله: «ان دين هؤلاء المهاجرين لا يقوم على الإيمان بالله. فليس لهم إله. فإذا لم نستطع تحويلهم الى المسيحية فيجب طردهم من البلاد وإعادتهم من حيث أتوا». في ذلك الوقت كان فويت يتحدث عن المهاجرين اليهود الذين طردوا من اسبانيا بعد سنوات من سقوط الحكم الاسلامي في الأندلس. ان ما يقوله فيلدرز اليوم عن المسلمين يعكس المنطق ذاته الذي قامت عليه أقوال سلفه فويت عن اليهود. من أجل ذلك لا يكفي أن نقول «يروحوا يبلطوا البحر». لقد أبحروا في دماء أبنائنا وأهلنا التي قام بسفكها ارهابيون باسم ديننا. ولا يكفي ان نردد الآية القرآنية الكريمة ونحن مكتوفي الأيدي:«نحنا نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون». فلله رجال اذا أرادوا أراد. ان الله يحفظ الذكر الحكيم برجاله المؤمنين. وإذا لم نكن من رجال الله، نستمد منه ارادتنا، فلا نستطيع ان نحفظ ولا ان نحافظ على قرآنه الكريم.

إن تصاعد المشاعر الوطنية الشعبوية اليوم، خاصة في أوروبة والولايات المتحدة وروسيا، بمعنى المحافظة على الهوية الوطنية المسيحية من خطر تدفق المهاجرين المسلمين، يترافق مع تصاعد مشاعر الاسلاموفوبيا الشعبوية، بمعنى كراهية الاسلام ورفضه. وهذا الترافق يكاد يكون مماثلاً لنوع آخر من الترافق عرفه العالم من قبل، وهو تصاعد الفاشية يداً بيد مع تصاعد اللاسامية ؛ والذي تمثلت نتائجه المدمرة ليس فقط في مشروع «الحل الأخير» الذي اعتمدته النازية الألمانية لتصفية اليهود في أوروبة (الهولوكوست)، ولكنه تمثل أيضاً في عدم الاكتراث الذي أبدته الدول الغربية الاخرى بهذا المشروع الهمجي بما فيها تلك التي كانت في حالة حرب مع ألمانيا النازية حتى وقعت الكارثة. لقد بلغ من شدة مشاعر اللاسامية ان كلمة «يهودي» كانت تعتبر شتيمة بحد ذاتها، واهانة للآخر. وقد بدأت اليوم تحلّ محلها كلمة «مسلم».

لقد وصلت الاسلاموفوبيا الى المستوى الذي تلاشت معه المشاعر الانسانية مع ضحايا الارهاب من المسلمين – الذين يشكلون نسبة 95 بالمائة من مجموع الضحايا ــ والذين يتساقطون كل يوم في دول مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا، وأفغانستان والباكستان ونيجيريا، وسواها. وأصبح التعاطف مع المهاجرين منهم خيانة وطنية.

***

5- اليوم لا أدري أي المصنعين ينتج مادة أغزر لتسويق الاسلاموفوبيا: مصنع التطرف الارهابي باسم الاسلام ؟ أو المصنع الذي تحدث عنه الكاتب الأميركي ناثان لين في كتابه The islamophobia Industry ؟. ولا أدري أي الصورتين عن الاسلاموفوبيا أشد فعالية وأعمق أثراً في تشويه صورة الاسلام:

الصورة المصنوعة في الداخل الاسلامي، أو تلك المفبركة في الخارج ؟

ولا أدري أي العاملين يروّج للاسلاموفوبيا أكثر من الآخر:

استمرار عمليات التشويه ( داخلياً وخارجياً )

أو الإنكفاء عن المبادرة الى التصحيح داخلياً وخارجياً أيضاً ؟

للإجابة عن هذه الأسئلة يجب أن ندرك ما يلي:

لم تعد الاسلاموفوبيا تقتصر على كراهية غير المسلمين للاسلام. ان أخشى ما أخشاه هو ان تجد الاسلاموفوبيا طريقها -ولعلها وجدته- الى عقول بعض المسلمين في المجتمعات الغربية وحتى في بعض مجتمعاتنا الشرقية، الذين بدأوا يكرهون أنفسهم وينعزلون عن بيئاتهم بسبب الجرائم الوحشية التي تُنسب الى الاسلام، الدين الذي ينتسبون اليه.

***

6- من هنا أفهم مبادرة جمعية المقاصد تنظيم هذه الندوة حول هذا الموضوع. فالمقاصد قامت أساساً قبل 139 عاماً من أجل المحافظة على الشخصية الاسلامية العربية وتأصيلها وتجذيرها ثقافياً وتربوياً ودينياً. وهذه الشخصية تواجه اليوم من خلال الاسلاموفوبيا الخارجية والداخلية معاً، ضربات موجعة وتحديات خطيرة، ليس في لبنان وحده بل على مساحة العالم العربي والعالم الاسلامي.

تضع هذه التحولات الجديدة والخطيرة المقاصد، وطنياً وعربياً واسلامياً، أمام التحدي الذي واجهه الآباء المؤسسون من قبل، وهو العمل على المحافظة على الشخصية العربية الاسلامية وانقاذها هذه المرة من بين براثن الغلو والتطرف، ومن بين أنياب الاسلاموفوبيا الصناعية المشيطنة للاسلام وللمسلمين.

***

خاتمة:

في الأساس ليس الخطاب الاسلامي موجهاً الى المسلمين حصراً. انه خطاب للعالمين. انه خطاب للانسانية جمعاء. والانسانية ليست على دين واحد أو ثقافة واحدة، وهي ليست من عنصر واحد أو قومية واحدة. الانسانية متعددة الأعراق والأجناس، متعددة الأديان والعقائد، متعددة اللغات والثقافات. وهذا التعدد قائم ومستمر حتى قيام الساعة بإرادة إلهية ولحكمة إلهية.

ولقد وضع القرآن الكريم قاعدة للخطاب الاسلامي الى الناس كافة يمكن اختصارها في نصّ آية واحدة من القرآن الكريم تتألف من ثلاث كلمات فقط. تقول الآية:«وقولوا للناس حسناً». (سورة البقرة).

ينطلق القول الحسن من العمل الحسن الملتزم بالإرادة الإلهية باحترام التعدد والاختلافات بين الناس. والمؤمن بالإرادة الإلهية في أن الله وحده يحكم بينهم، ويوم القيامة فقط، فيما كانوا فيه يختلفون. وهذا يعني لا شرعية للتفتيش في ضمائر الناس والحكم عليهم، وهو تثبيت لمبدأ احترام حرية الضمير.

ولذلك عندما سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) من هو المسلم ؟ أجاب:«المسلم من سلم الناس من يده ولسانه». اي من أي فعل سيئ يقوم به، أو أي قول سيئ يصدر عنه. ان الجرائم التي ارتكبها المتطرفون الارهابيون لم يسلم منها الناس لا قولاً ولا عملاً. ولذلك فهي ليست من الحسن في شيء. وبالتالي ليست من الاسلام في شيء. ان كل ما أنتجته هو انها وفّرت للاسلاموفوبيا المبرر والمادة الغزيرة للبناء عليها.

ولذلك أخلص الى القول ان مقاومة الاسلاموفوبيا تبدأ من هنا. من العمل بالآية الكريمة: «وقولوا للناس حسناً».

لقد انتهى زمن الخوف على الاسلام من التغريب، أي من التأثر بعقلية الغرب وثقافته (وكأن ثقافتنا لم تكن تلك البذرة التي أنبتت هذه الشجرة). نحن في زمن الخوف على الاسلام من التخريب. وما الاسلاموفوبيا اليوم سوى بذرة تخريبية يخشى أن تنبت شجرة الزقوم الجهنمية التي لا تثمر سوى نار الكراهية. كراهية العالم للاسلام وكراهية المسلمين للعالم وكراهية بعض المسلمين لبعض المسلمين. وكراهيتهم حتى لأنفسهم. والاسلاموفوبيا الذاتية هي الاسوأ وهي الأخطر.

أخيراً نحن نواجه مشكلة كبيرة. والتعريف الصحيح للمشكلة هو نصف الطريق الى معالجتها. فليس صحيحاً ان الاسلاموفوبيا هي مؤامرة خارجية فقط. انها من صنع أيدينا ايضاً. ولذلك فاننا مدعوون قبل ادانة الآخر -وهو يستحق الادانة بالتأكيد- الى مراجعة الذات للعودة الى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.