Site icon IMLebanon

وقاحة إسماعيل هنيّة  

 

 

ما فعله إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» لمجيئه الى بيروت وقيامه بكل هذه الاستعراضات، بدءا بلقاء حسن نصرالله الأمين العام لـ»حزب الله» وصولا الى زيارة مخيم عين الحلوة قرب صيدا، يعكس وقاحة ليس بعدها وقاحة. ليس معروفا هذا الإصرار لدى بعض الفلسطينيين على الإساءة الى لبنان؟ ربّما يفعلون ذلك للتغطية على افلاسهم السياسي وعلى ما يرتكبونه في حق شعبهم اولّا.

 

من ارض لبنان، الذي دفع غاليا ثمن الممارسات الفلسطينية، هدّد هنيّة إسرائيل بصواريخ «حماس»، علما انّه لا يزال هناك فلسطينيون في قطاع غزّة يعيشون في العراء بعدما هدّمت إسرائيل بيوتهم على رؤوسهم في حرب نهاية 2008   وبداية 2009، أي منذ ما يزيد على عشر سنوات.

 

تعطي زيارة إسماعيل هنيّة، احد رموز الانقسام الفلسطيني، للبنان فكرة عن الأسباب التي جعلت الفلسطينيين يقعون في الفخّ الإسرائيلي رافضين تعلّم ايّ درس من التجارب التي مرّوا فيها. تشمل هذه التجارب الدور الذي لعبوه في تدمير لبنان وايصاله الى الوضع الذي وصل اليه بعد تكريسهم فرض السلاح غير الشرعي الذي يمسّ السيادة اللبنانية ويخدم إسرائيل.

 

ما حصده لبنان منذ ما يزيد على نصف قرن، وما لا يزال يحصده الآن، هو من ثمار فرض اتفاق القاهرة عليه في العام 1969. ليس سلاح «حزب الله»، وهو سلاح في خدمة «الجمهورية الإسلامية» في ايران سوى ابن شرعي للسلاح الفلسطيني الذي لم يخدم سوى النظام السوري. استعان هذا النظام، في ايّام حافظ الأسد، بالسلاح الفلسطيني غير المنضبط كي يضع يده على لبنان بغطاء أميركي واسرائيلي. كانت الحجة الأميركية لاقناع إسرائيل بالدخول العسكري السوري الى لبنان «ضبط» المقاتلين الفلسطينيين التابعين لمنظمة التحرير الفلسطينية. هذا هو التعبير الذي استخدمه هنري كيسينجر وزير الخارجية الأميركي في أواخر العام 1975. استخدم كيسينجر هذه الحجة كي لا يعترض اسحق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك، على الدخول العسكري السوري الى لبنان.

 

مؤسف ان يأتي اسماعيل هنيّة الى لبنان وتذكيره بالسلاح الفلسطيني الذي لعب دوره في خلق مأساة لبنان والذي ظهر بوضوح خلال زيارته لمخيّم عين الحلوة حيث القى خطابا حماسيا من النوع المضحك المبكي. لم يخجل رئيس المكتب السياسي لـ»حماس» من القاء مثل هذا الخطاب في ظلّ غابة من السلاح وفي وقت لا يزال قطاع غزّة الذي يقيم فيه والذي يرئس فيه حكومة غير شرعية، تحت الحصار الإسرائيلي.

 

اين المنطق في كلّ ذلك بعدما تحول قطاع غزّة الى مجرّد سجن كبير في الهواء الطلق لمليون ونصف مليون فلسطيني، على ارض ضيّقة، بسبب ممارسات «حماس» واصرارها على إقامة «امارة إسلامية»، على الطريقة الطالبانية (نسبة الى طالبان في أفغانستان). اصرّت «حماس» التي ليست سوى امتداد للتنظيم العالمي للاخوان المسلمين على خنق غزّة بغض النظر عن كلفة ذلك على المواطن الفلسطيني وعلى القضيّة الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني الذي كان في الماضي القريب اهمّ سلاح سياسي في مواجهة الاحتلال… في ظلّ الاختلال في موازين القوى العسكرية لمصلحة إسرائيل.

 

لعلّ أسوأ ما فعلته «حماس» منذ تأسست في العام 1987  لتكون منافسا لمنظمة التحرير الفلسطينية الطريقة التي تصرّفت بها بعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع عزّة في آب – اغسطس من العام 2005. بدل ان تساعد السلطة الوطنية الفلسطينية في إقامة نموذج لدولة مسالمة قابلة للحياة، لجأت «حماس» الى محاربة السلطة. اكثر من ذلك، نفّذت انقلابا ذا طابع دموي على حركة «فتح» في منتصف العام 2007. بعد ذلك، راحت تطلق الصواريخ في اتجاه إسرائيل   خدمة لمنطق ارييل شارون، رئيس الوزراء وقتذاك، الذي كان يقول ان «لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه».

 

لم تتوقف «حماس» منذ اليوم الاوّل لقيامها عن وضع نفسها في خدمة إسرائيل. كان كلّ صاروخ اطلقته في خدمة الاحتلال الذي كان يعرف ان «حماس» ستستغل الانسحاب الإسرائيلي من غزّة من اجل القضاء على أي امل في تسوية سياسية تصب في مصلحة خيار الدولة الفلسطينية المستقلّة «القابلة للحياة».

 

من يريد ان يتذكّر الحديث الذي نشرته صحيفة «هآرتس» مع دوف فايسغلاس مدير مكتب ارييل شارون مباشرة بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزّة؟ قال فايسغلاس بكل بساطة ان الانسحاب من غزّة «سيمكننا من الإمساك بالضفّة الغربية بطريقة افضل». هذا ما حصل بالفعل. زادت وتيرة الاستيطان في الضفّة الغربية، وقبل ما يزيد على سنتين، في ايّار – مايو 2018، انتقلت السفارة الأميركية الى القدس واعترفت اميركا بالمدينة المقدّسة عاصمة موحّدة لإسرائيل. حصل ذلك كلّه، فيما تشنّ «حماس» حربا على السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي سلطة عاجزة الى ابعد حدود بعدما شاخت وفقدت ايّ قدرة على الاقدام على أي مبادرة سياسية من ايّ نوع.

 

لماذا لا يكتفي شخص مثل إسماعيل هنيّة بالفشل الذي حققته «حماس» في غزّة. لماذا يصرّ على استفزاز لبنان واللبنانيين بحجة اجراء حوار بين الفصائل الفلسطينية انطلاقا من بيروت؟ هناك منطق واحد يجمع بين «حزب الله» و»حماس». انّه منطق يقوم على كلام «حزب الله» عن «مقاومة» إسرائيل، فيما الحقيقة ان «حزب الله» يحقّق انتصارات على لبنان واللبنانيين . امّا «حماس» فهي تعمل على تجويع اهل غزّة كي يكونوا تحت رحمتها من اجل ضمان استمرار «الامارة الاسلامية»  التي اقامتها.

 

اين مشكلة إسرائيل مع ذلك؟ لا مشكلة لدى اسرائيل مع زيارة يقوم بها إسماعيل هنيّة للبنان، خصوصا عندما تكشف هذه الزيارة انّ البلد بعاصمته المنكوبة ليس سوى جرم يدور في الفلك الإيراني… في ظلّ «العهد القوي»، بل القوي جدّا، خصوصا مع ظهور «كتائب القسّام»، الجناح العسكري لـ«حماس» في المخيّمات الفلسطينية!