لأنّ “الرطل بدّو رطل وأوقية”، إستحضر المِحور الإيراني رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنيّة الذي حلَّ أهلاً، وصال وجال في مخيّم عين الحلوة، مُستعرضاً الجهوزية العسكرية العالية لمقاتليه المُقنّعين، والمختلفة عن تلك الرثة المعهودة في المخيّم لفصائل تقتصر فعاليتها على أمجاد غابرة، ومُتغنّياً بأنّ “الصواريخ التي ستطال تل أبيب هي في بيروت وسوف تنطلق من بيروت”، ومُشدّداً على “ثبات مِحور المقاومة وصلابته في مواجهة كلّ الضغوط والتهديدات، والآمال الكبيرة المعقودة عليه”، وعلى “متانة العلاقة بين “حزب الله” والحركة الحماسية”.
ولعلّ المفارقة مَكمَنها في الخطاب المُسْتَحْضَر عبر تركيا تحديداً، الفاتحة علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل على وسعها من دون أن يفسد الأمر للودّ قضية مع رأس المِحور، لها دلالاتها الإستنسابية الخصبة لجهة استكمال التحالفات الإقليمية، التي تحبل بدنس، وتفرض على ساحتنا السائبة من مطارها الى مينائها لُقطاءها.
وبناء عليه، جاء استحضار هنيّة في هذه المرحلة الدقيقة للردّ على مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، علّه يفهم هو ومعلّمه “المتغطرس” دونالد ترامب، الحالم برئاسة ثانية، أنّ في جعبة رأس المِحور الكثير من الرسائل التي يُجيد توجيهها في مكانها وزمانها. وهو لا يزال يتحكّم بالأوراق الدسمة التي لن يتورّع عن استخدامها اذا ما واصل الشيطان الأكبر حشره وحشر درّة تاجه على المتوسط في خانة العقوبات.
ولمن ينتقد حضور هنيّة من دون تنسيق مع الدولة اللبنانية، جواب رأس المِحور واضح لا لبس فيه: فقد سبق الفضل مع موفد الشيطان الأكبر الذي أعلن إحتقاره للمنظومة السياسية الحالية.
واستوى الميزان الذي يؤكّد المؤكّد لغياب الدولة حتى التلاشي. لذا، لا جدوى من كلّ هذه البهلوانيات الأميركية المتوهّمة أنّ بالإمكان تغيير قواعد اللعبة بعد “حادث” إنفجار المرفأ “العَرَضي”، الذي لا يستدعي خلط الأوراق.
أيضاً، لا يخرج إستحضار هنيّة عن توجيه رسالة الى “العزيز” إيمانويل ماكرون وخريطة طريقه الوعرة التحقيق، إن لجهة تشكيل حكومة خالية من الأحزاب وخالية من المحاصصة في توزيع الحقائب، أو لجهة تجفيف منابع الفساد وأوّلها ضبط الحدود، ومن يلعب على الجناحين العسكري “إرهابي” والسياسي “برلماني”..نلعب معه..
وفي جراب الحاوي مفاجآت لا تُعدّ ولا تُحصى من رفضٍ لضرب الميثاقية الميمونة، الى ألغام المداورة في الحقائب… وذلك من دون إغفال الألغام الأمنية باختراعات إرهابية لا تحتاج جهداً لتصبح الطربوش الصالح لرفع الضغوط، وصرف الإنتباه المحلي والدولي عن بيت القصيد.
ولا يحسب أولئك الذين سارعوا الى التهدئة على جبهة التحقيقات في “حادث” الإنفجار، “العرضي” مقابل “التسوية” الملغومة”، أنّ رأس المِحور سيكبح جماح أتباعه، ويُلزمهم بالإنكفاء حتى تمرّ العاصفة بأقلّ أضرارٍ ممكنة.
فهمروجة هنيّة في عين الحلوة التي تحوّلت بين ليلة وضحاها “قلعة الصمود والتصدّي” تقول للمجتمع الدولي، بدبلوماسيته الفرنسية وهجومه المباشر الأميركي، إنّ الإسترسال في الأحلام المستحيلة ممنوع، وإلّا سيدفع اللبنانيون مزيداً من الأثمان الباهظة، في حين لن تتأثّر البيئات الحاضنة، سواء في لبنان أو غزة، أو حيث تمتدّ دولارات المِحور، الخارجة عن كلّ رقابة وقوانين..
ويا دار ما دخلك إلا الشرّ.. فالباكورة تبدأ مع هنية vis-à-vis شينكر، ولا تنتهي عند هذه المعادلة.