ليس في الانتخابات البلدية، برغم الخصوصيات، ما لم يكن في الانتخابات النيابية: لعنة قانون البوسطات. ولا وراء الكثير من ادعاءات الترفع عن الطائفية والمذهبية سوى الخوف من أن تتسع موجة النشاط اللاطائفي والتصرف على أساس أن علاج الجمود في النظام الطائفي هو المزيد من الطائفية والمذهبية. فكل جولة في الانتخابات، كما رأينا خلال ثلاثة أسابيع، تؤكد القاعدة التي تعمل بها التركيبة السياسية والعائلية: مطلوب شعب ليوم واحد يضع في صناديق الاقتراع ما يعطى له من لوائح، بحيث يكتمل الديكور الديمقراطي. وكل معركة تخاض على ثلاث جبهات: جبهة ترتيب اللائحة والتحالفات، جبهة السعي بكل الوسائل لتشويه سمعة الخصوم في التنافس من أجل إسقاطهم، وجبهة السجال بين الحلفاء الشركاء في اللائحة خلال عملية الانتخاب وبعد ظهور النتائج بسبب التشطيب واللعب تحت الطاولة وازدواجية المواقف.
ولا شيء ينهي الجدل العقيم حول الثنائيات. جدل ثنائية عائلات – أحزاب، مع ان العائلات تتصرف كأحزاب، والأحزاب تديرها على العموم عائلات. وجدل ثنائية إنماء – سياسة، مع ان أقل ما قدمه للناخبين الذين يصرون على فصل الانماء عن السياسة هو البرامج، وأكثر ما تحدث عنه الذين يؤمنون بأن الانماء سياسة هو الوفاء للتضحيات والخط السياسي بصرف النظر عن الانماء لا بل ان الانتخابات البلدية في غير مكان بدت كأنها مجرد تمديد لمن لم يقدموا كشف حساب عما فعلوه ولم يحاسبهم أحد، ولا هم وسط التقصير قصّروا في خدمة مرجعياتهم.
والسؤال البسيط، في ظلّ التركيز على ما يتجاوز الخصوصيات الى حصر القرار في كل بلدة بعائلاتها وأهلها فقط، هو: هل البلديات في البلدات جزر معزولة عن البلد؟ الى أي حدّ يمكن فصل التنمية البلدية عن التنمية الوطنية؟ أليس التنافس على البلديات والمشاريع في باريس ولندن ونيويورك وبرلين وسواها هو بين الأحزاب؟ وهل جرى انتخاب صادق خان رئيساً لبلدية لندن لأنه من عائلة باكستانية عاشت فيها أم لأنه من حزب العمال؟
ليس خارج المألوف ان نغرق في التفاصيل ونتجاهل الصورة الكبيرة. فنحن على باب العام الثالث للشغور الرئاسي. والجمهورية في أصعب أيامها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وسط العجز عن ضمان الشروط الانسانية للعيش بالنسبة الى نصف الجمهور اللبناني، والوفاء بالحد الأدنى من واجبات الأخوة تجاه النازحين، والبحث عن تطمينات الى اننا لسنا مجبرين على توطين جمهور سوري وفلسطيني.
ولا أحد يعرف متى وكيف تنتهي حرب سوريا، وعلى ماذا يستقر الصراع الجيوسياسي في المنطقة، وهل نستطيع الحفاظ على رأس لبنان وقت تغيير الدول.